عقبات عراقية في طريق التأهيل البحرية

كاظم فنجان الحمامي

01/04/2023

شهد القطاع البحري العراقي نمواً متسارعاً ومتشعباً في سبعينيات القرن الماضي، وكان للعاملين في المجلس الاعلى للشؤون البحرية الدور الايجابي الفاعل في تفجير براكين النهضة البحرية والملاحية والمينائية، فتوسع أسطول شركة النقل البحري، وأسطول شركة ناقلات النفط العراقية، وأسطول شركة ناقلات المنتجات النفطية، وأسطول شركة صيد الاسماك، وحققت الموانئ العراقية ما كانت تحلم به من سفن خدمية وتخصصية حديثة من مناشئ يابانية وهولندية وألمانية. وفتحت قنوات الابتعاث إلى الكليات البحرية في مصر وروسيا وألمانيا ويوغسلافيا وبريطانيا والهند، وشهدت تلك الحقبة تأسيس أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية بالقانون رقم 206 لسنة 1975. .
ثم بدأ العد التنازلي منذ اليوم الذي صدر فيه قرار إلغاء المجلس الاعلى للشؤون البحرية بالرقم 1655 في الشهر الاخير من عام 1979. وهو العام الذي سبق حرب الخليج الاولى بين العراق وإيران، فأنهار كل شيء بين ليلة وضحاها، فقد توقفت الموانئ، وتشتت سفن الاسطول، ووجد المتخصصون أنفسهم موزعين على المعسكرات لاداء الخدمة الإلزامية، واُقتلعت جذور مؤسساتنا من بيئتها البحرية في البصرة لتستقر في بغداد. ثم تدهورت الأمور من سيء إلى سيء، فجاء قرار المنظمة البحرية IMO ليطوي صفحتنا، ويضع اسم العراق على القائمة البحرية السوداء، وتخلت شركة النقل البحري عن خبراءها فنقلتهم للعمل في السكك والموانئ، وسبقتها شركة ناقلات النفط في التفريط بطواقمها فارسلتهم للعمل في حقل الرميلة. ثم لعبت الأكاديمية دوراً سلبياً مشهوداً بحرمان خريجي المركز من إكمال دراستهم في الكلية البحرية، ورفضت قبولهم حتى لو كانو يحملون اعلى المؤهلات الدراسية والخدمية، وظلت متمسكة بقرارها إلى يومنا هذا، في حين بادرت الكليات البحرية الاوروبية والعربية بقبولهم بموجب بنود اتفاقية STCW. .
اللافت للنظر انه في الوقت الذي انهار فيه اسطولنا ومؤسساتنا، وفي الوقت الذي اصبحنا فيه نعمل على اليابسة، تصاعدت النعرات النقابية عند الكثيرين، وتشكلت لدينا لوبيات تحولت فيما بعد إلى موانع وعقبات تقف في طريق الراغبين بإكمال دراساتهم البحرية العليا، الأمر الذي أضطرهم لطرق أبواب الكليات غير البحرية لتحقيق رغباتهم العلمية في التدرج الاكاديمي والوظيفي. .
وكانت لنا مطالبات حثيثة بعد عام 2003 بتأسيس السلطة البحرية، وقمنا بإعداد مسودتها وعرضها بعد أعوام على مجلس الوزراء، الذي صادق عليها عام 2017، ووافق مجلس الوزراء على ارتباط السلطة به وليس بوزارة النقل، وذلك اسوة بسلطة الطيران، وما ان تم عرض المسودة على البرلمان حتى انبرت وزارة النقل وبالتنسيق مع رئيس لجنة الخدمات (وليد السهلاني) لتصغيرها وتحويلها من سلطة إلى هيئة، وربطها بوزارة النقل بدلا من مجلس الوزراء، وقفت الاكاديمية وقتذاك بجانب الوزارة، وكان موقف معظم نواب البصرة مؤيداً للوزارة والأكاديمية بربط الهيئة بوزارة النقل، فصادق مجلس النواب بالاغلبية على قانون الهيئة البحرية العراقية العليا، ثم قرر وزير النقل (عبدالله لعيبي) تعطيل تفعيلها، وسار وزير النقل الذي جاء بعده (ناصر بندر) على هذا النهج، وهكذا ولدت الهيئة البحرية ميتة، وهي الآن تمر بأسوأ أيامها، ولا نرى أي أمل في استعادة امجادنا البحرية القديمة. .
كان هذا ملخصاً مقتضباً لمسيرتنا البحرية المتعثرة، ولا زالت الأكاديمية ترفض قبول خريجي المركز، ولا زالت شركاتنا البحرية دون مستوى الطموح، ولا أمل بعودة سفن أسطول صيد الأسماك، أما التكتلات النقابية فهي الآن في أوج نشاطها رغم احالة معظم اقطابها إلى التقاعد، فالأحقاد النقابية لا تموت حتى لو تحول العراق إلى دولة حبيسة ليس لها اطلالة معتبرة على بحار الله الواسعة. .

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group