إفتعال الدهشة والانزعاج

ساطع راجي

06/06/2018

القدر رحيم جدا بهذه البلاد فلا يترك أهلها وحكامها اسبوعا واحدا بلا حدث طارئ يساعدهم على قضاء اوقات فراغهم الطويلة وحالة العطالة الابدية التي يعيشونها، وكانت رحمة القدر مضاعفة في هذه الايام بلياليها الرمضانية حيث نحتاج للكثير من التسالي والانشغالات ليس فقط لقضاء اوقات الفراغ وانما للهرب من فضائح وازمات ايضا؛ فجاءت أزمة الجفاف لتكون موضوعا موحدا للكلام والتسلية للهرب من ازمة الكهرباء والتي كانت بدورها فرصة للخروج من ملل كارثة الاداء الانتخابي؛ هذه الكارثة هي فرصة كذلك للهرب من مشاكل اعمار المدن المدمرة وعودة النازحين.

انها حلقة مفرغة من الانشغالات التي نتعامل معها باعتبارها فرصة للكلام او الهرب؛ لكن ما يجمع كل هذه الانشغالات هو انها مكررة، الجفاف والكهرباء والانتخابات والنزوح وتعطل الاعمار وتردي الخدمات، كلها ازمات متكررة دوريا؛ وفي كل مرة نتحدث عنها بنفس الحماس والدهشة وكأنها حدثت فجأة؛ ومع كل مرة نجدد دهشتنا فيها وافتعال الانزعاج نقوم بنفس ردود الافعال، في الجفاف مثلا وتراجع امدادات المياه من ايران وتركيا، كل مرة نهدد في الفيسبوك بمقاطعة بضائع الدولتين ونحن نتناول مرطبات ايرانية او تركية اثناء العبث بهواتفنا النقالة ونحن نعرف استحالة المقاطعة لأننا في زمن وفرة المياه لم نوفر طعامنا فكيف سنوفره في زمن الجفاف؟!.

إفتعال الدهشة يتقنها المرضى النفسيون وكذلك محترفو النصب، المشكلة اننا نريد من الاخرين مشاركتنا هذه التمثيلية التي اعدنا بثها عشرات المرات ومع ذلك نرفض تذكر مشاهدها فنندهش وننزعج وكأننا نراها لأول مرة ونطالب سفراء الدول الاخرى والمنظمات الدولية ان تصفر عداداتها ايضا وتنسى الاجتماعات السابقة والمفاوضات والملفات والتحذيرات وتنطلق معنا دائما من لحظة افتعالنا الدهشة بانخفاض مناسيب مياه نهر دجلة رغم ان نذر الكارثة تطل علينا منذ سنوات كما اننا عشنا حالات مماثلة لما يحدث اليوم قبل عدة اشهر؛ وايضا هددنا بالمقاطعة واستقبل كل الزعماء السياسيين العراقيين السفير التركي وابلغوه قلقهم وحزنهم وألمهم وطالبوه باعادة المياه الى دجلة قبل ان يتحول الى طريق ترابي، ويمر الوقت فتأتي الزيادة المائية مثل رشوة صغيرة او هدية لصديق منزعج وننسى الموضوع، كما ننسى الكهرباء في اشهر اعتدال درجات الحرارة، وكما ننسى كل مرة الانتخابات لأربع سنوات ثم نندهش ..نندهش جدا بقانون سيء ومفوضية شكلت على عجل في الوقت الحرج، ونندهش ايضا ونشعر جميعا بالانزعاج، مواطنون وحكام، بسبب شبهات التزوير والتلاعب، ثم نندهش ايضا ونندهش جدا عندما تتشكل الحكومة من نفس القوى التي شكلت الحكومة السابقة رغم ان الناخبين اختاروا هذه القوى ورغم ان هذه القوى هي وحدها التي تخوض الانتخابات كل مرة !!!.

دهشتنا لا تنقضي لأننا نرفض ربط الاسباب بالنتائج، ونرفض الاعتراف بمسؤوليتنا عما يحدث لنا او مسؤوليتنا عن مواجهة المشاكل وباصرار، نحن نتجاوز المشاكل ليس بسبب حلها وانما بسبب شعورنا بالملل من متابعتها في التلفزيون ووسائل التواصل؛ فتتراجع المشاهدة والتعليقات والاعجابات وعندها يقرر قادة الشاشة والفيسبوك تغيير اهتماماتهم لذلك لا نعالج شيئا وانما فقط نشعر بالملل كأننا نتفرج على حياة اخرين لا تهمنا الا بقدر تشويقها وجدتها ومثل الجمهور ينسى الحكام المشكلة لبضعة ايام حتى نتمكن من افتعال الدهشة مجددا عندما يطبخنا الحر او نشاهد قاع دجلة.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group