العقل الجميل... توازن ناش

د. مظهر محمد صالح

18/06/2018

تحت هذا العنوان تناولت الكاتبة الروائية سيلفيا نصار في العام 1998 السيرة الذاتية لعالم الاقتصاد الرياضي جون ناش ذلك العملاق الذي استباحت الامراض النفسية اخاديد عقله المفعمة بالمنطق الرياضي وهي تصارع بلا هوادة خلايا ذهنه ومرتسمات توازن تفكيره المتوقد متعمدةً اعتقال ظلال ذلك العقل الجميل.

فمثلما حصل جون ناش في العام 1994على جائزة نوبل في الاقتصاد عن نظريته في اللعبة التوازنية للاسواق او توازن ناش كما تُسمَّى، حصلت سيلفيا نصار هي الاخرى على جائزة بولتزر لأعمالها الادبية الرائعة التي تناولت فيها حياة عالم الاقتصاد جون ناش، بعد ان تحوَّلت كتاباتها الى دراما سينمائية هائلة حملت عنوان كتاب سيلفيا نفسه (العقل الجميل).

ظلَّت نظرية ناش في التوازن محط انظار القوى الستراتيجية الكبرى ابان الحرب الباردة والتهديد النووي من دون ان تتخلَّى الاسواق التنافسيَّة وغيرها عن قواعد لعبة ناش في التوازن نفسه والتي أخذت تسميَّات مختلفة مثل حصيلة التهديد او حل ناش. اذ وجد ناش ان اللعبة التعاونية في سلوك الافراد او اعتماد الشركات المتنافسة لستراتيجيات تعاونية تنتهي لامحالة بحصيلة، لاسيما عند تعرضها لاي خسارة، ستكون اقل ضرراً مقارنة بالخسائر الناجمة عن اللعبة غير التعاونية او اللعبة التصادمية.

وهكذا استخدم جون ناش ماسُمِّيَ (بلعبة المجموعة اللاصفرية) لكي يميَّز نفسه في تحليله لتوازن الاسواق عن آدم سمث الذي اعتمد (اليد الخفية) في تحقيق توازن السوق من خلال قوى العرض والطلب .كما توصل ناش في تحليل توازن الاسواق (مستخدماً حلوله الرياضية الهائلة ولاسيما المعادلات التفاضلية الجزئية) الى نتائج بديلة لبلوغ الحالة التنافسية المثلى في توازن السوق، مؤكدا بأن المتنافسين لايعملون بمعزل عن بعضهم البعض، ولاسيما في توقع ماذا سيقوم به الاخرون. فقد توصل ناش الى حقيقة مآلها: بأنَّه لايمكن لأيٍّ من اللاعبين في السوق ان يستفيد وحده بمجرد ان يعتمد ستراتيجية منعزلة لنفسه (سواء في البيع او الانتاج) مالم يأخذ بالاعتبارالستراتيجيات الاخرى التي يعتمدها الطرف التنافسي المقابل، وبهذا تولد لعبة تعاونية تلقائية داخل السوق.

في وقت متأخِّر من ليلة 23 أيار 2015 فجع العالم بموت العالم ناش وزوجته ايليسا في حادث سير على طريق المرور السريع في اطراف مدينة مونوردي في لاية نيوجرسي الاميركية بسبب انقلاب حافلة التكسي التي كانت تقلهما بعد عودة ناش وزوجته من حفل تكريمي لهما، وهما في العقد الثامن من عمرهما، لتحتضن الارض عقلاً اقتصادياً رياضياً قل نظيره على الرغم من اعتلال ذلك العقل الجميل لسنوات طويلة. ختاماً ودعت القوى الناعمة، الاقتصادية والعسكرية، جون ناش وهو يدافع عن نظريته التي آمنت باللعبة التعاونية اللاصفرية في بلوغ التوازن ومن دون اصطدام وباقل الخسائر الممكنة! ولكن انتهت حياة ناش بلعبة صادمة جاءت تتويجاً للعبة الصفرية، وبأعلى الخسائر التي قضى فيها نحبه.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group