العراق... من سياسات الهوية إلى الزبائنية المتوحشة "العابرة" للطائفية..!

فارس كمال نظمي

16/09/2018

أهو آخر برلمان ينتجه الدستور الحالي..!

ما حدث اليوم من بهلوانيات قِردويّة وفساد سياسي علني عند التصويت على رئاسة مجلس النواب الرابع، وافتقار كل الأسماء المطروحة إلى الحد الأدنى من المعيار السياسي المطلوب لبلد ينخره الفساد والتطرف والظلم الاجتماعي وانهيار البنى التحتية، إنما يشير بوضوح إلى انغلاقٍ وعجزٍ نهائي في بنية ووظيفة النظام السياسي عن الإقدام على أي خطوة محدودة لإعادة هيكلة نفسه – ولو جزئياً أو مؤقتاً- ولترقيع علاقته الهشة والمتآكلة مع المجتمع.

فالعقلية "الساذجة" و"الإنكارية" التي حكمت مسار الصفقة السياسية اليوم، تؤشر مدىً غير مسبوق من انفصال النخب الحاكمة – نفسياً وإجرائياً- عن البنية السوسيوسياسية المتأزمة للبلاد؛ وهو انفصال لم يحدث بهذا المقدار من "الاستعلاء" و"النرجسية" طوال التاريخ المعاصر للعراق منذ نشوء دولته قبل نحو قرن من الزمن.

فما حدث يتجاوز مسألة التوازنات "التوافقية" التي حكمت مسار العلاقة بين الشيعة السياسية والسنّة السياسية وفق سياسات الهوية التقليدية طوال السنوات الخمسة عشرة الماضية. وبدلاً عن ذلك ينشأ تحاصص جديد هو اتفاق الشبكات الزبائنية التي أنتجها الفساد الإسلاموي بشقيه الشيعي والسنّي معاً، على انتخاب من يمكن أن يغدو "ممثلاً" و"حارساً" لها في المرحلة القادمة، بعد أن تم تثبيت قواعد "متينة" لرأس المال المنهوب من كلا الطرفين.

هي لحظة يعاد فيها إنتاج الصراع السياسي "رسمياً" بوصفه حراكاً اقتصادياً مستنداً إلى فساد الريع النفطي الذي أمسى أخيراً محمياً بسلطة كومبرادورية قررت أن توحّد صفوفها "العابرة" للطائفية، بعد أن امتلكت وعياً صريحاً لذاتها، أي صار لها ملكيتها ومصالحها وشبكاتها المشتركة في "الفضاء الوطني".

هذه الاصطفاف الجديد المستند إلى تبلور اقتصاد سياسي طفيلي بات يوحّد غرماء الأمس، سوف يستدعي بالضرورة اصطفافاً ونهوضاً مقابلاً لدى الفئات الاجتماعية المتضررة من الشيعة السكانية والسنّة السكانية على حد سواء. وكل ذلك سيعزز الأفول المستمر في عصر الأسلمة السياسية الرثة، في مقابل البزوغ المتلكئ والعسير – وربما العنفي- لعصر الدولة الوطنية القادمة.

***

كان هذا مقال نشره الكاتب فارس كامل نظمي استاذ علم النفس الاجتماعي على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك".

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group