كانت تغريدة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الموجهة الى الامين العام لمنظمة بدر هادي العامري تطورا لافتا في اسلوب التواصل بين من يتمتعون بمواقع النفوذ والقوة في النظام السياسي في العراق. تغريدة الصدر تناشد العامري بان يتدخل لايقاف صفقات ضخمة بين اعضاء تحالف فتح الذي يقوده العامري وبين سياسيين سنة لشراء الوزارات باموال ضخمة وبدعم خارجي يقول الصدر انه لا مثيل له. واذا كان الصدر يذكر العامري باتفاق بينهم لادارة العراق باسلوب جديد فان العامري يرد مؤكدا على التزامه المبدئي قبل الاتفاق مع الصدر وبعده ويطالب الصدر بالدليل من اجل التحرك ضد الفاسدين. في هذا الحوار العلني الذي اختار له الصدر موقع تويتر للتواصل الاجتماعي مسرحا نرى موقفا فريدا يوضح حالة الاتفاق الهش التي ادت الى تعيين عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء. فبدلا من طريقة اختبار الكتلة البرلمانية الكبرى اولا ثم اختيار تلك الكتلة لرئيس الوزراء فان ما حصل هو اتفاق بين سائرون والفتح وهما الكتلتان الاكبر وان كانتا معا لا تصلان الى الاغلبية البرلمانية المطلقة لكن الاهم انهما الاقوى في الشارع بامتلاكهما للاذرع المسلحة. واضح ان السوابق في طريقة اختبار الكتلة الاكبر كانت مخيبة في العراق لكن اي نظام سياسي برلماني يجب ان يحتوي على طريقة للوصول للغالبية البرلمانية الداعمة لمن يتولى الحكم والمسؤولية في موقع رئاسة الحكومة. وفي حالة الاتفاق الهش الذي تشكلت بموجبه الحكومة منقوصة, كان الصدر هو الاقوى لانه بالاضافة للذراع المسلح يمتلك قاعدة شعبية متماسكة تتبعه مهما فعل وكيف قرر ولديها قابلية حيوية للتنظيم والتحرك على مختلف الصعد الجماهيرية والاعلامية والبرلمانية. كما وان الصدر الذي بدأ حياته السياسية مخالفا ومختلفا مع المرجعية الشيعية العليا تحول الان الى موقع قريب من توجهات تلك المرجعية التي ضاقت بفشل النظام السياسي الذي يهيمن عليه الشيعة ودعت اكثر من مرة للاصلاح. موقع الصدر الحالي القريب من مرجعية السيستاني ادى الى صعود عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء بدعم الطرفين, الصدر ومرجعية السيستاني. لم يكن امام العامري والفتح سوى القبول بذلك خصوصا ان عبد المهدي لا يمثل خطرا استراتيجيا على ايران فهو من حلفائها التاريخيين. امتدت قوة الصدر لعملية تشكيل الحكومة التي مرر في تشكيلتها الوزراء الذين وافق عليهم فيما عرقل اتباعه في البرلمان اكثر من اسم ممن كان يدعمهم تحالف الفتح. مرت اسابيع من التنافس والاختلاف حول الاسماء والوزارات ومن يدعم من في نظام سياسي مشتت اكثر من اي وقت مضى مما يتيح للصدر ان يبدو بصورة اكثر تماسكا وثباتا من الجميع. لكن الشعارات التي وضعها الصدر لاتباعه في الحملة الانتخابية من دعوات للاصلاح والابتعاد عن امراض العملية السياسية تحتاج لظروف مناسبة لكي تتحقق. واذا كان اتباع الصدر يرون في تغريدته الاخيرة التزاما بتعهده بان تكون الامور شفافة وواضحة امام الراي العام فان منافسي الصدر وخصومه يرونه واحدا من شركاء العملية السياسية ويرون اتباعه الذين تولوا المناصب فيها غير منزهين. كما ان العامري وحلفاؤه بنوا ووسعوا قواعدهم الشعبية منذ عام الفين اربعة عشر نتيجة لانخراطهم في المعارك ضد تنظيم داعش.ثم استطاعوا بعد ذلك ان يحتووا سنة العملية السياسة في العراق بطريقة لم يفعلها الصدر رغم انه اقرب شعبيا الى قطاعات من الراي العام السني في هذه المرحلة. لايريد العامري وتحالف الفتح ان يذهب كل ذلك من غير حصاد سياسي حكومي ولا يريدون للصدر ان يتصدر المشهد مسيطرا على كل ابعاده. حتى في بعض التعابير التي استخدمها الصدر نلاحظ اختلافا حول امور اساسية. فالصدر يقول للعامري بانه تحالف معه لا مع الفاسدين والميليشياويين. هنا نقول ان جزءا من الشارع وجزءا كبيرا من انصار الصدر لا يستثنون هادي العامري مما يتهمون به الطبقة السياسية ولا ينسون ان ولده مثلا اعاد طيارة من رحلتها لانها تأخرت عنه حينما كان والده وزيرا للنقل في حكومة المالكي. اما في حديث الصدر عن الميليشياويين فانه يقصد من انشقوا عنه مثل عصائب اهل الحق التي تشكل كتلة ليست صغيرة في تحالف العامري ومجموعات اخرى لا يمتلك العامري سيطرة مطلقة عليها. نحن ازاء خلافات اعمق من الاتفاق الهش الذي مرر عملية اختيار عبد المهدي. وعلى ذكر رئيس الوزراء فان غيابه عن الجدل بشأن اختيار وزرائه يعطي مؤشرا مقلقا بان حكومته ستكون حكومة تشتت في المسؤوليات وغياب في تحديدها وعدم استقرار في العلاقات بين من شكلوها ويحاولون اتمامها نيابة عنه.