عملية رفع الحواجز الكونكريتية الكبيرة من امام مبنى وزارة الخارجية العراقية شكلت علامة مهمة على انحسار خطر التفجيرات في العراق وفي بغداد تحديدا. فقد كان التفجير الذي استهدف الوزارة في عام الفين وتسعة محطة مهمة اشرت عودة التفجيرات بعد فترة انحسار وهدوء وتحسن في الوضع الامني. اتى ذلك التحسن بعد نجاح استراتيجية زيادة القوات الاميركية في العراق والتنسيق وتقديم الدعم لجماعات الصحوة في المناطق التي كان تنظيم القاعدة يتحرك فيها. قامت الصحوات بهزيمة القاعدة وتنظيم دولة العراق الاسلامية الذي انبثق عنها هزيمة بدت شاملة في كل مكان في العراق. لكن عدم اتباع ذلك بجهد سياسي حقيقي يهدف للاصلاح والمصالحة ادى تدهور لاحق. اذ عادت بعدها التفجيرات تدريجيا حتى اصبحت تحدث بطريقة شبه دورية في بغداد لتتوقف في السنتين الاخيرتين بعد الضربات القوية التي تعرض لها تنظيم داعش.
لكن قناعة كثير من العراقيين كانت بان التفجيرات كانت من فعل القوى السياسية العراقية عندما تختلف. لم يقدم احد من العراقيين شرحا واضحا بالادلة لتلك النظرية لكن من المهم تثبيت انها كانت منتشرة بين العوام الذين لم يصدقوا الرويات الحكومية التي كانت تربط كل تدهور امني بثنائية داعش والبعث.
مضت تلك المرحلة على اي حال ولم تشأ ان تمضي الا بتفجير اخير مأساوي بشع في حجمه استهدف منطقة الكرادة في عام الفين وستة عشر. منذ ذلك الحين حصلت تفجيرات هنا وهناك لكنها لم تكن بنفس المستوى الذي كان. الانحسار العسكري لتنظيم داعش وفر لحكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي الظروف المناسبة لاتخاذ اجراءات مثل فتح شوارع المنطقة الخضراء وازالة الحواجز الكونكريتية او الصبات بحسب تعبير العراقيين الذين كرهوها لانها عرقلت حياتهم الطبيعة ولكنها لم توفر الامن الا لحكامهم.
يأتي رفع الحواجز ليؤشر ان عهدا جديدا قد بدأ ولكن ما الذي ستفعله الحكومة العراقية والطبقة السياسية العراقية بهذا العهد الجديد؟ فيما عدا المظاهر فان الخطوات الاولى لعبد المهدي بطيئة ولا توحي بأن اصلاحا حقيقيا سيأتي. والاصلاح بالنسبة للعراقيين يعني محاربة الفساد اولا. وقد جاء التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية مؤخرا ليظهر استمرار العراق في مركز متاخر جدا على قائمة اكثر الدول فسادا في العام اذ احتل المركز الثاني عشر مجاورا لدول مثل سوريا وكوريا الشمالية واليمن والصومال وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية. تغيير ذلك الموقع يتطلب جهدا كبيرا وتركيزا حقيقيا لا يبدو حاضرا لكن الظروف الحالية في المقاييس العراقية تعتبر ظروفا مناسبة للشروع في العمل.
وحتى لاننخدع تماما بالتحسن الامني الذي نقر به فان من المهم تاشير ان امن بغداد هو من امن باقي العراق لكن المناطق التي تم استعادتها عسكريا من تنظيم داعش ما زالت بعد مرور اشهر طويلة تعيش ظروفا سيئة فيما تتعثر حركة الاعمار ويتحدث كثير من الشهود على الارض في عودة الظروف التي ادت الى صعود تنظيم داعش. في الحقيقة كان تحذير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حول الوضع في الموصل اشارة بارزة في هذا الصدد ولكن لم يظهر بعد تحذير الصدر وغيره من الزعماء السياسيين العراقيين توجه استراتيجي للتعامل مع الوضع في الموصل وغيرها.
رفع الحواجز الكونكريتية وفتح المنطقة الخضراء وتجوال رئيس الحكومة الجديد في مناطق اطراف بغداد المهملة التي تعاني من سوء الخدمات كلها اشارة ايجابية على ان عهدا جديدا قد بدأ. لكنها مجرد اشارات اذا لم يتم البناء عليها واستغلالها من اجل العمل على حل المعضلات التي يعاني منها العراق في الفساد واثار الحرب القاسية مع تنظيم داعش فانها لن تعني الكثير بل انها قابلة للتحول للاسوأ بسرعة مثلما حصل في الماضي.
المصدر// جريدة الزمان