عهد‭ ‬جديد

رافد جبوري

25/12/2018

عملية‭ ‬رفع‭ ‬الحواجز‭ ‬الكونكريتية‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬امام‭ ‬مبنى‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬العراقية‭ ‬شكلت‭ ‬علامة‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬انحسار‭ ‬خطر‭ ‬التفجيرات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬تحديدا‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬التفجير‭ ‬الذي‭ ‬استهدف‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬الفين‭ ‬وتسعة‭ ‬محطة‭ ‬مهمة‭ ‬اشرت‭ ‬عودة‭ ‬التفجيرات‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬انحسار‭ ‬وهدوء‭ ‬وتحسن‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الامني‭. ‬اتى‭ ‬ذلك‭ ‬التحسن‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬استراتيجية‭ ‬زيادة‭ ‬القوات‭ ‬الاميركية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والتنسيق‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭  ‬لجماعات‭ ‬الصحوة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭. ‬قامت‭ ‬الصحوات‭ ‬بهزيمة‭ ‬القاعدة‭ ‬وتنظيم‭ ‬دولة‭ ‬العراق‭ ‬الاسلامية‭ ‬الذي‭ ‬انبثق‭ ‬عنها‭ ‬هزيمة‭ ‬بدت‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬لكن‭ ‬عدم‭ ‬اتباع‭ ‬ذلك‭ ‬بجهد‭ ‬سياسي‭ ‬حقيقي‭ ‬يهدف‭ ‬للاصلاح‭ ‬والمصالحة‭ ‬ادى‭ ‬تدهور‭ ‬لاحق‭. ‬اذ‭ ‬عادت‭ ‬بعدها‭ ‬التفجيرات‭ ‬تدريجيا‭ ‬حتى‭ ‬اصبحت‭ ‬تحدث‭ ‬بطريقة‭ ‬شبه‭ ‬دورية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬لتتوقف‭ ‬في‭ ‬السنتين‭ ‬الاخيرتين‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬القوية‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش.

لكن‭ ‬قناعة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬كانت‭ ‬بان‭ ‬التفجيرات‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬عندما‭ ‬تختلف‭. ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬شرحا‭ ‬واضحا‭ ‬بالادلة‭ ‬لتلك‭ ‬النظرية‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تثبيت‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬بين‭ ‬العوام‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يصدقوا‭ ‬الرويات‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تربط‭ ‬كل‭ ‬تدهور‭ ‬امني‭  ‬بثنائية‭ ‬داعش‭ ‬والبعث.

مضت‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬على‭ ‬اي‭ ‬حال‭ ‬ولم‭ ‬تشأ‭ ‬ان‭ ‬تمضي‭ ‬الا‭ ‬بتفجير‭ ‬اخير‭ ‬مأساوي‭ ‬بشع‭ ‬في‭ ‬حجمه‭ ‬استهدف‭ ‬منطقة‭ ‬الكرادة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬الفين‭ ‬وستة‭ ‬عشر‭. ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬حصلت‭ ‬تفجيرات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بنفس‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭. ‬الانحسار‭ ‬العسكري‭ ‬لتنظيم‭ ‬داعش‭ ‬وفر‭ ‬لحكومة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬عادل‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬الظروف‭ ‬المناسبة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬اجراءات‭ ‬مثل‭ ‬فتح‭ ‬شوارع‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬وازالة‭ ‬الحواجز‭ ‬الكونكريتية‭ ‬او‭ ‬الصبات‭ ‬بحسب‭ ‬تعبير‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬كرهوها‭ ‬لانها‭ ‬عرقلت‭ ‬حياتهم‭ ‬الطبيعة‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬توفر‭ ‬الامن‭ ‬الا‭ ‬لحكامهم.

يأتي‭ ‬رفع‭ ‬الحواجز‭ ‬ليؤشر‭ ‬ان‭ ‬عهدا‭ ‬جديدا‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ستفعله‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬والطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬بهذا‭ ‬العهد‭ ‬الجديد؟‭  ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬المظاهر‭ ‬فان‭ ‬الخطوات‭ ‬الاولى‭ ‬لعبد‭ ‬المهدي‭ ‬بطيئة‭  ‬ولا‭ ‬توحي‭ ‬بأن‭ ‬اصلاحا‭ ‬حقيقيا‭ ‬سيأتي‭. ‬والاصلاح‭ ‬بالنسبة‭ ‬للعراقيين‭ ‬يعني‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬اولا‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬التقرير‭ ‬السنوي‭ ‬لمنظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬الدولية‭ ‬مؤخرا‭ ‬ليظهر‭ ‬استمرار‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬متاخر‭ ‬جدا‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬اكثر‭ ‬الدول‭ ‬فسادا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬اذ‭ ‬احتل‭ ‬المركز‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬مجاورا‭ ‬لدول‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬واليمن‭ ‬والصومال‭ ‬وليبيا‭ ‬والسودان‭ ‬وغينيا‭ ‬الاستوائية‭. ‬تغيير‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭ ‬يتطلب‭ ‬جهدا‭ ‬كبيرا‭ ‬وتركيزا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬حاضرا‭ ‬لكن‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬المقاييس‭ ‬العراقية‭ ‬تعتبر‭ ‬ظروفا‭ ‬مناسبة‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬العمل‭.

وحتى‭ ‬لاننخدع‭ ‬تماما‭ ‬بالتحسن‭ ‬الامني‭ ‬الذي‭ ‬نقر‭ ‬به‭ ‬فان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تاشير‭ ‬ان‭ ‬امن‭ ‬بغداد‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬امن‭ ‬باقي‭ ‬العراق‭ ‬لكن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬استعادتها‭ ‬عسكريا‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬اشهر‭ ‬طويلة‭ ‬تعيش‭ ‬ظروفا‭ ‬سيئة‭ ‬فيما‭ ‬تتعثر‭ ‬حركة‭ ‬الاعمار‭ ‬ويتحدث‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشهود‭ ‬على‭ ‬الارض‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬ادت‭ ‬الى‭ ‬صعود‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش. ‬ في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كان‭ ‬تحذير‭ ‬زعيم‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬اشارة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬بعد‭ ‬تحذير‭ ‬الصدر‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الزعماء‭ ‬السياسيين‭ ‬العراقيين‭ ‬توجه‭ ‬استراتيجي‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬وغيرها.

رفع‭ ‬الحواجز‭ ‬الكونكريتية‭ ‬وفتح‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬وتجوال‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬اطراف‭ ‬بغداد‭ ‬المهملة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬الخدمات‭ ‬كلها‭ ‬اشارة‭ ‬ايجابية‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬عهدا‭ ‬جديدا‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭. ‬لكنها‭ ‬مجرد‭ ‬اشارات‭ ‬اذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬البناء‭ ‬عليها‭ ‬واستغلالها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬المعضلات‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬واثار‭ ‬الحرب‭ ‬القاسية‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬فانها‭ ‬لن‭ ‬تعني‭ ‬الكثير‭ ‬بل‭ ‬انها‭ ‬قابلة‭ ‬للتحول‭ ‬للاسوأ‭ ‬بسرعة‭ ‬مثلما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الماضي‭. ‬

المصدر// جريدة الزمان

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group