الأمراض... ليست فضائية!

مزاحم مبارك مال الله

03/01/2019

"فضائيون"، مصطلح لا يعرفه الاّ العراقيون، ويبدو لي أنه أسوأ خلف لأرذل سلف، أنتشر في زمن النظام المقبور حينما كان المواطنون يتداولون مصطلح (البحّارة)، والمقصود بهم تجار المحروقات غير المرئيين، وخصوصاً البنزين في وقت الاتجار بممتلكات الشعب خارج أحكام القانون.

وقد تكشفت كل ألغاز وأسرار وأحابيل وخدع الفضائيين هم وسماسرتهم وتجارهم، ولم يعد خافياً عن أي عراقي أنه كان يعيش كذبة كبيرة دامت سنوات طويلة، اسمها الحكومة!!

ورغم شيوعها وتمددها في جميع مفاصل الحياة، ألاّ أن هذه الكذبة لم تكن ولا يمكن أن تطال واقع الأمراض المعلومة وغير المعلومة، لأنه أصلاً واقع عليل، كسيح متأخر، متخلف، فالأمراض تأكل بجرف العراقيين من كل الجهات، بل تأكل أعمارهم وتنتهي بهم الى الاحتمالات المعروفة!

أمراض ليست غائبة أو وهمية، بل أنها موجودة وتعيش معنا، ونُصاب بها يومياً، وتهددنا على مدى الساعات والأيام، في بيوتنا من خلال المياه الملوثة وشبكة الصرف الصحي المهشمة المحطمة، في هوائنا الملوث، في مطاعمنا التي غابت وتغيبت عنها الرقابة الصحية، في أسواقنا التي تختلط فيها الخضروات مع وحل الأمطار، في محلات بيع اللحوم غير المفحوصة، في المعلبات التي تملأ الأسواق بغشها الصناعي وحفظها غير الصحي، بالمنتجات الغذائية التي لا يعلم بها الاّ الله من أين صنّعت وكيف أنتجت، بعربات الوجبات السريعة التي يديرها أناس يحملون أمراض وهم لا يعلمون...

أمراض نتجت وتنتج عن سوء التغذية التي يعاني منها أكثر من 30% من الشعب العراقي بفضل المحاصصة والتي خصخصت الأمراض للفقراء والكادحين فقط.

أمراض لا يتمكن المواطن من المراجعة بها بسبب ارتفاع أسعار الكشف والتشخيص، ولا يستطيع أن يشتري علاجاتها التي فاقت حدود المعقول والمقبول.

أمراض لا تجد لها أسرّة في المستشفيات الحكومية، (الحكومة) التي تنصلت عن واجبها تجاه السواد الأعظم عن أبناء الشعب منذ اغتيال ثورة 14 تموز 1958، في العدّة والعدد.
أمراض انتشرت بين النازحين جراء الأوضاع الحياتية التي يعيشون فيها بسبب تأخر وتراخي الإجراءات الحكومية في انتشال أوضاعهم المشلولة.

أمراض ليست فضائية، أنها موجودة في البيئة الملوثة والمياه الملوثة والهواء الملوث وفي سوء التغذية المتقدم.

أمراض لا تجد عدد كاف من الكادر الطبي والصحي ليتعامل معها، أنها أمراض حقيقية واقعية موجودة ملموسة منتشرة ،ليست فضائية!

الفضائيون في أجهزة الحكومات (السابقة)، دفعوا الأموال من أجل إصدار أوامر تعيينهم، ويدفعون نصف مرتباتهم المزعومة (الحرام) ليبقوا فضائيين، أما الأمراض فلا تحتاج أن تكون فضائية فهي متوفرة وبالمجان، تحطّم ما تبقى من سواتر مناعة البسطاء وتعلن عن نفسها ولم تعمل بالخفاء، وتؤذي ضحاياها جهاراً.

وفي بداية عام 2019، وكما يتمنى أي مواطن أن يكون عاماً خفيفاً على العراق والعراقيين والعالم أجمع ،فأننا نناشد حكومتنا الجديدة ونقول: يا وزارة الصحة والبيئة، شمرّي عن وطنيتكِ واقتحمي بمعية الوطنيين شبكات الأمراض كما اقتحمتِ شبكات الفضائيين الحقيقيين.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group