حتى بمقاييس الموت العراقي كانت فاجعة غرق عبارة الموصل مولمة وصادمة. كما ان تناقل صورها وتسجيل الفديو قرب المأساة للجميع واراهم اياها ببشاعتها. فيما كانت التصريحات التي نقلت عن اقارب الضحايا واهل الموصل بل اهل العراق عموما مليئة بتعابير صادقة عن الالم والحزن. لن استبق تقرير لجنة تحقيق قيل انه تم تشكيلها لكشف كل الاسباب والظروف التي ادت الى ان يفقد اكثر من مائة شخص حياتهم. الجميع يعلم على اي حال بان معايير السلامة والامان متدنية في العراق لابل ان كثيرا من الاماكن تعيش وتمشي بالقدرة وربما يكون العذر ان العراق كان يمر بظروف امنية كارثية فعلا على مدى السنوات الاخيرة وبان التركيز الحكومي كان منصبا تماما على الامن. اذا تحدثنا على الموصل تحديدا فان العمليات العسكرية انتهت منذ عام الفين وسبعة عشر لكننا ومنذ ذلك الحين نتابع اوضاعا سلبية متعددة الاوجه في المدينة لا تبشر باي خير. لم تظهر الحكومة العراقية السابقة ولا الحالية ان لها خطة ومنهاج عمل واضح للتعامل مع مرحلة ما بعد استعادة الموصل. فمنذ ان انتهت سيطرة مقاتلي تنظيم داعش اثر حملة عسكرية دمرت نصف الموصل على الاقل تتوارد التقارير والروايات عن مشتبه بهم معروفون بالانتماء والنشاط لتنظيم داعش يطلق سراحهم وعن ابرياء يتم احتجازهم. اما الفساد فهو بالتاكيد اب لكل كوارث العراق وماسيه. الكل متهم به في الموصل وغيرها طبعا لكن الحديث هنا عن الموصل. حتى السيارات المفخخة التي كانت بصمة لاسلوب تنظيم داعش ضربت الموصل اكثر من مرة على مدى الاشهر الاخيرة وحامت الشكوك والاتهامات في ان ذلك كان من فعل الجماعات المسيطرة امنيا اليوم على المدينة وعلى محافظة نينوى عموما.
اما المحافظ فقد كان قصة كاريكاتيرية بحد ذاته باسلوبه الاستعراضي وزياراته الميدانية المصورة وبذائته المعتادة. شعبويته اثارت يوما اعجاب بعض وسائل الاعلام المصرية التي اشادت بما راته تواجدا ميدانيا له وجهدا للاشراف المباشر على سير اعمال الدوائر الحكومية. اما الواقع فيعرفه الموصليون ويشكون منه وكانت اصواتهم التي تتهم المسيطرين على مدينتهم ومحافظتهم بالفساد واضحة وعالية ولكنها لم تسمع. لذلك كان غريبا ان يصطحب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في زيارته للموصل بعد ساعات من الحادثة محافظ الموصل معه. خصوصا ان عبد المهدي في زياراته لمحافظات اخرى توجه مباشرة للاماكن التي قصد زيارتها من غير اعلام او اصطحاب اعضاء الحكومات المحلية. عاد عبد المهدي بعد يوم ليطلب من مجلس النواب ان يقيل المحافظ محملا اياه المسؤولية قبل ان تظهر نتائج التحقيق الذي سمعنا انه امر به. من المهم هنا ان نقول بانه من الخطأ ان يتم تحميل كل المسؤولية للمحافظ فالقضية تتعلق بوضع محافظة بكاملها. قد تريح ازاحة المحافظ الكثيرين لكنها لن تغير اي شئ من الواقع من غير تشخيص حقيقي ومواجهة للاسئلة الصعبة. واسئلة الموصل صعبة جدا واوضاعها لا تهدد اهلها المفجوعين اليوم بعبارتهم ولكنها تهدد كل العالم. فقد كان سقوط المدينة بيد تنظيم داعش قبل خمس سنوات حدثا هز العالم كله و شكل تهديدا للامن العالمي وادى الى تغيير دول وحكومات الدول الاكبر لقراراتهم وتوجهاتهم واعاد القوات الاميركية الى العراق وادى طبعا الى فقدان عشرات الالاف لحياتهم واقتلع الملايين من ارضهم. لذلك نكتب ونقول دوما بالعربية والانكليزية بان الوضع السياسي في العراق بل و وضع الادارة المحلية احيانا في محافظاته هو قضية لابد ان يهتم بها العالم ويفهمها.
زيارة رئيس الوزراء العراقي كانت في الليل فلم تسجل مواجهة بينه وبين المفجوعين لكن رئيس الجمهورية برهم صالح ذهب في النهار ليحاصر بصرخات لعن الفساد والدعوة لاقتلاعه. لم يتفاعل الكثيرون مع حديثه رغم انه شخص بكلمات قليلة دقيقة سبب الحادث وكونه ناجما عن فساد وسوء ادارة لكن صوت غضب الناس كان اعلى. لم يدرك لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء حتى الان حجم السخط الجماهيري من الطبقة السياسية او انهم يدركون ذلك ولكنهم يراهنون على ان علاقتهم بالجماهير ليست بتلك الخطورة. ففي بلد لاتتم فيه محاسبة حقيقية للفساد يحمل العوام جميع السياسيين وزره ويتهمونه جميعا بالانخراط فيه. على اي حال فقد سمع الرئيس صالح باذنيه لا على شاشات التلفزيون او الهاتف المحمول شعار شلع قلع كلهم حرامية. وقد استطاع مرافقوه انقاذه من موقف محرج فعلا. موقف كان سيتعرض له اي سياسي عراقي فالغضب كان عارما وعاما. لنتابع الان ان كان بامكانه وبامكان الطبقة السياسية التي يقف على راسها ان تنقذ العراق فقد كان من ابلغ ماقراناه في هذه الفاجعة جملة كتبها متظاهر محتج على لافتة صغيرة, العراق عبارة فلا تغرقوها.