عبّارة العراق

رافد جبوري

25/03/2019

حتى‭ ‬بمقاييس‭ ‬الموت‭ ‬العراقي‭ ‬كانت‭ ‬فاجعة‭ ‬غرق‭ ‬عبارة‭ ‬الموصل‭ ‬مولمة‭ ‬وصادمة. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬تناقل‭ ‬صورها‭ ‬وتسجيل‭ ‬الفديو‭ ‬قرب‭ ‬المأساة‭ ‬للجميع‭ ‬واراهم‭ ‬اياها‭ ‬ببشاعتها. ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬اقارب‭ ‬الضحايا‭ ‬واهل‭ ‬الموصل‭ ‬بل‭ ‬اهل‭ ‬العراق‭ ‬عموما‭ ‬مليئة‭ ‬بتعابير‭ ‬صادقة‭ ‬عن‭ ‬الالم‭ ‬والحزن. ‬لن‭ ‬استبق‭ ‬تقرير‭ ‬لجنة‭ ‬تحقيق‭ ‬قيل‭ ‬انه‭ ‬تم‭ ‬تشكيلها‭ ‬لكشف‭ ‬كل‭ ‬الاسباب‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬ادت‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬يفقد‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬شخص‭ ‬حياتهم. ‬الجميع‭ ‬يعلم‭ ‬على‭ ‬اي‭ ‬حال‭ ‬بان‭ ‬معايير‭ ‬السلامة‭ ‬والامان‭ ‬متدنية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لابل‭ ‬ان‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الاماكن‭ ‬تعيش‭ ‬وتمشي‭ ‬بالقدرة‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬العذر‭ ‬ان‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬يمر‭ ‬بظروف‭ ‬امنية‭ ‬كارثية‭ ‬فعلا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الاخيرة‭ ‬وبان‭ ‬التركيز‭ ‬الحكومي‭ ‬كان‭ ‬منصبا‭ ‬تماما‭ ‬على‭ ‬الامن. ‬اذا‭ ‬تحدثنا‭ ‬على‭ ‬الموصل‭ ‬تحديدا‭ ‬فان‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬انتهت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬الفين‭ ‬وسبعة‭ ‬عشر‭ ‬لكننا‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬نتابع‭ ‬اوضاعا‭ ‬سلبية‭ ‬متعددة‭ ‬الاوجه‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬لا‭ ‬تبشر‭ ‬باي‭ ‬خير. ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬السابقة‭ ‬ولا‭ ‬الحالية‭ ‬ان‭ ‬لها‭ ‬خطة‭ ‬ومنهاج‭ ‬عمل‭ ‬واضح‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬استعادة‭ ‬الموصل. ‬فمنذ‭ ‬ان‭ ‬انتهت‭ ‬سيطرة‭ ‬مقاتلي‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬اثر‭ ‬حملة‭ ‬عسكرية‭ ‬دمرت‭ ‬نصف‭ ‬الموصل‭ ‬على‭ ‬الاقل‭ ‬تتوارد‭ ‬التقارير‭ ‬والروايات‭ ‬عن‭ ‬مشتبه‭ ‬بهم‭ ‬معروفون‭ ‬بالانتماء‭ ‬والنشاط‭ ‬لتنظيم‭ ‬داعش‭ ‬يطلق‭ ‬سراحهم‭ ‬وعن‭ ‬ابرياء‭ ‬يتم‭ ‬احتجازهم. ‬اما‭ ‬الفساد‭ ‬فهو‭ ‬بالتاكيد‭ ‬اب‭ ‬لكل‭ ‬كوارث‭ ‬العراق‭ ‬وماسيه. ‬الكل‭ ‬متهم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬وغيرها‭ ‬طبعا‭ ‬لكن‭ ‬الحديث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الموصل. ‬حتى‭ ‬السيارات‭ ‬المفخخة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بصمة‭ ‬لاسلوب‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬ضربت‭ ‬الموصل‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الاشهر‭ ‬الاخيرة‭ ‬وحامت‭ ‬الشكوك‭ ‬والاتهامات‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬الجماعات‭ ‬المسيطرة‭ ‬امنيا‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬وعلى‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى‭ ‬عموما.

اما‭ ‬المحافظ‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬قصة‭ ‬كاريكاتيرية‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬باسلوبه‭ ‬الاستعراضي‭ ‬وزياراته‭ ‬الميدانية‭ ‬المصورة‭ ‬وبذائته‭ ‬المعتادة. ‬شعبويته‭ ‬اثارت‭ ‬يوما‭ ‬اعجاب‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬اشادت‭ ‬بما‭ ‬راته‭ ‬تواجدا‭ ‬ميدانيا‭ ‬له‭ ‬وجهدا‭ ‬للاشراف‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬اعمال‭ ‬الدوائر‭ ‬الحكومية. ‬اما‭ ‬الواقع‭ ‬فيعرفه‭ ‬الموصليون‭ ‬ويشكون‭ ‬منه‭ ‬وكانت‭ ‬اصواتهم‭ ‬التي‭ ‬تتهم‭ ‬المسيطرين‭ ‬على‭ ‬مدينتهم‭ ‬ومحافظتهم‭ ‬بالفساد‭ ‬واضحة‭ ‬وعالية‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تسمع. ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬غريبا‭ ‬ان‭ ‬يصطحب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬عادل‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬زيارته‭ ‬للموصل‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الحادثة‭ ‬محافظ‭ ‬الموصل‭ ‬معه. ‬خصوصا‭ ‬ان‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬في‭ ‬زياراته‭ ‬لمحافظات‭ ‬اخرى‭ ‬توجه‭ ‬مباشرة‭ ‬للاماكن‭ ‬التي‭ ‬قصد‭ ‬زيارتها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬اعلام‭ ‬او‭ ‬اصطحاب‭ ‬اعضاء‭ ‬الحكومات‭ ‬المحلية. ‬عاد‭ ‬عبد‭ ‬المهدي‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬ليطلب‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ان‭ ‬يقيل‭ ‬المحافظ‭ ‬محملا‭ ‬اياه‭ ‬المسؤولية‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تظهر‭ ‬نتائج‭ ‬التحقيق‭ ‬الذي‭ ‬سمعنا‭ ‬انه‭ ‬امر‭ ‬به. ‬من‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬ان‭ ‬نقول‭ ‬بانه‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬تحميل‭ ‬كل‭ ‬المسؤولية‭ ‬للمحافظ‭ ‬فالقضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بوضع‭ ‬محافظة‭ ‬بكاملها. ‬قد‭ ‬تريح‭ ‬ازاحة‭ ‬المحافظ‭ ‬الكثيرين‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تغير‭ ‬اي‭ ‬شئ‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تشخيص‭ ‬حقيقي‭ ‬ومواجهة‭ ‬للاسئلة‭ ‬الصعبة. ‬واسئلة‭ ‬الموصل‭ ‬صعبة‭ ‬جدا‭ ‬واوضاعها‭ ‬لا‭ ‬تهدد‭ ‬اهلها‭ ‬المفجوعين‭ ‬اليوم‭ ‬بعبارتهم‭ ‬ولكنها‭ ‬تهدد‭ ‬كل‭ ‬العالم. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سقوط‭ ‬المدينة‭ ‬بيد‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬حدثا‭ ‬هز‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬و‭ ‬شكل‭ ‬تهديدا‭ ‬للامن‭ ‬العالمي‭ ‬وادى‭ ‬الى‭ ‬تغيير‭ ‬دول‭ ‬وحكومات‭ ‬الدول‭ ‬الاكبر‭ ‬لقراراتهم‭ ‬وتوجهاتهم‭ ‬واعاد‭ ‬القوات‭ ‬الاميركية‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬وادى‭ ‬طبعا‭ ‬الى‭ ‬فقدان‭ ‬عشرات‭ ‬الالاف‭ ‬لحياتهم‭ ‬و‬اقتلع‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬ارضهم. ‬لذلك‭ ‬نكتب‭ ‬ونقول‭ ‬دوما‭ ‬بالعربية‭ ‬والانكليزية‭ ‬بان‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬وضع‭ ‬الادارة‭ ‬المحلية‭ ‬احيانا‭ ‬في‭ ‬محافظاته‭ ‬هو‭ ‬قضية‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬ويفهمها. 

زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬فلم‭ ‬تسجل‭ ‬مواجهة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬المفجوعين‭ ‬لكن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬برهم‭ ‬صالح‭ ‬ذهب‭ ‬في‭ ‬النهار‭ ‬ليحاصر‭ ‬بصرخات‭ ‬لعن‭ ‬الفساد‭ ‬والدعوة‭ ‬لاقتلاعه. ‬لم‭ ‬يتفاعل‭ ‬الكثيرون‭ ‬مع‭ ‬حديثه‭ ‬رغم‭ ‬انه‭ ‬شخص‭ ‬بكلمات‭ ‬قليلة‭ ‬دقيقة‭ ‬سبب‭ ‬الحادث‭ ‬وكونه‭ ‬ناجما‭ ‬عن‭ ‬فساد‭ ‬وسوء‭ ‬ادارة‭ ‬لكن‭ ‬صوت‭ ‬غضب‭ ‬الناس‭ ‬كان‭ ‬اعلى. ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬لا‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬ولا‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬حجم‭ ‬السخط‭ ‬الجماهيري‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬او‭ ‬انهم‭ ‬يدركون‭ ‬ذلك‭ ‬ولكنهم‭ ‬يراهنون‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬علاقتهم‭ ‬بالجماهير‭ ‬ليست‭ ‬بتلك‭ ‬الخطورة. ‬ففي‭ ‬بلد‭ ‬لاتتم‭ ‬فيه‭ ‬محاسبة‭ ‬حقيقية‭ ‬للفساد‭ ‬يحمل‭ ‬العوام‭ ‬جميع‭ ‬السياسيين‭ ‬وزره‭ ‬ويتهمونه‭ ‬جميعا‭ ‬بالانخراط‭ ‬فيه. ‬على‭ ‬اي‭ ‬حال‭ ‬فقد‭ ‬سمع‭ ‬الرئيس‭ ‬صالح‭ ‬باذنيه‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬او‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول‭ ‬شعار‭ ‬شلع‭ ‬قلع‭ ‬كلهم‭ ‬حرامية. ‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬مرافقوه‭ ‬انقاذه‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬محرج‭ ‬فعلا. ‬موقف‭ ‬كان‭ ‬سيتعرض‭ ‬له‭ ‬اي‭ ‬سياسي‭ ‬عراقي‭ ‬فالغضب‭ ‬كان‭ ‬عارما‭ ‬وعاما. ‬لنتابع‭ ‬الان‭ ‬ان‭ ‬كان‭ ‬بامكانه‭ ‬وبامكان‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬راسها‭ ‬ان‭ ‬تنقذ‭ ‬العراق‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ابلغ‭ ‬ماقراناه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفاجعة‭ ‬جملة‭ ‬كتبها‭ ‬متظاهر‭ ‬محتج‭ ‬على‭ ‬لافتة‭ ‬صغيرة,‭ ‬العراق‭ ‬عبارة‭ ‬فلا‭ ‬تغرقوها.

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group