-1- هناك رجالٌ يسحرونك بأحاديثهم ، وتراهم يخوضون في شتى القضايا ، ويتجولون في دنيا الأدب ويعرجون على التاريخ ولا يقفون عند محطة خاصة .. وكأنهم لكثرة ما يُورِدُونَهُ مِنَ الشواهد والنصوص يريدون أنْ يعلنوا : انهم من العلم في الصميم ، وانهم قد أحاطوا بما عجز عنه الكثيرون من مجايليهم وزملائهم، فلا بُدَّ أنْ تعترف لهم بالفضل الباذخ والمقام الشامخ. -2- والسؤال الآن : هل يستطيعون تمرير أنفسهم على جميع من يلتقون بهم من رجال المنتديات الأدبية ، وروّاد المجالس الثقافية والفكرية ؟ والجواب : انّ الذكيّ الألمعي لا يُخدع بالمظاهر وله طُرُقُهُ الخاصة في الكشف عن الحقيقة . وأهم الطرق لاكتشاف الحقيقة هو الاختبار وهذا ما صنعه الراحل ( احمد حامد الصراف ) ت( 1985 )مع الشيخ الراحل عبد العزيز الثعالبي – الزعيم الوطني التونسي حين حلَّ في بغداد واجتذبت الكثير من مثقفيها ووجوهها – والصرّاف : أديب قانوني لبق يحسن العديد من اللغات وهو على جانب كبير من الاطلاع على كتب التراث والصوفية . إنّ الصرّاف راى الشيخ الثعالبي لا يتوقف عن الخوض في غمار أية مسألة تُطرح عليه ، ولا يكف عن التعقيب عليها ، وكان ذلك أمراً ملفتا للغاية ، حيث انّ الاحاطة بفن واحد من الفنون يمكن ان يكون مقدوراً ، ولكنّ الاحاطة بجميع العلوم والفنون والامور أمرٌ غير مقدور فما هو السرّ اذن ؟ لقد أزمع الصّراف مع ثلة من أصدقائه التوجه الى منزل الشيخ ، لأجراء عملية اختبار معيّنة تكشف لهم الحال ، وتبيّن الواقع وهكذا كان وحين وصلوا الى منزل الشيخ الثعالبي واستقر بهم المجلس وسنحت الفرصة توّجه الصراف بالسؤال الى الشيخ قائلا : ( سمعنا بكتاب – نفيس مخطوط اسمه قلائد النحور في بديع وشي المنظوم والمنثور ) لابن بيكال النباري فهل وقفتم عليه في سياحاتكم وتحقيقاتكم ؟ ” أجل : انّ هذا مخطوط جليل القدر ، وقد وجدتُ نسخة منه في مكتبة الاسكوريال في مدريد ، وأخرى في مكتبة الفاتيكان ومؤلفه أندلسي فاضل من أبناء القرن السابع الهجري “ وأفاض في ذِكر سيرة المؤلف وفحوى المؤلف حتى حسبنا انه يقرأ في كتاب مفتوح ” أعلام الأدب في العراق الحديث ج2 ص 492 ويبدو أنَّ (الصراف) لم يكن بأقلّ من (الثعالبي) استرسالاً في الحديث ، وتوشيةً له بأعذب الطرائف والنكات وقد ألقى محاضرةً في (نادي القلم) عن الدراويش ، وكان الاجتماع حافلاً برجال الفضل والقلم فترك قراءة ما كتب وأفاض في حديثه عن الدروايش ونوادرهم واخبارهم واشعارهم . وأذكارهم ، والحاضرون في غاية من الانشداد اليه . وهنا دوّى صوت الراحل عباس العزّاوي : ” يا أبا شهاب ليست هذه محاضرة بل هي ” تكويكات ” فأسرع (الصراف) ومَدَّ يده في جيبه وأخرج ديناراً وقال : ” هاك ديناراً وكوّك مثلها “ فضج المجلس بالضحك . -3- ان الكثير من سياسي الصدفة يتحدثون اليوم عن ( مواقف) نضاليةً لهم ليس لها وجود الاّ في أذهانهم ..!! وعن ” فضائل ” ومزايا مزعومة لا تثير الاّ التعجب من الجرأة على اختلاق الأكاذيب وأما العلم فقد كفتهم مؤونتُه الشهاداتُ المزوّرة …!! وهكذا تتواصل حلقات الضحك على الذقون …