قاسم‭ ‬الاعرجي‭ ‬وجاك‭ ‬السفاح

رافد جبوري

13/05/2019

حديث وزير الداخلية العراقي السابق قاسم الاعرجي عن مقتل نجمة وسائل التواصل الاجتماعي العراقية تارة فارس كان واضحا وصريحا. قال بان مجموعة شيعية متشددة قتلتها لكنه قال بان فكرة محاسبتهم هي امنية لن تتحقق ودعاء لن يستجاب. فكرة القاتل الذي لا تكشف هويته ولا يحاسب ذكرتني بالقاتل الاسطوري جاك السفاح الذي ارتبطت باسمه سلسلة جرائم استهدفت نساءا في حي وايتشابل في لندن قبل مائة وثلاثين عاما. كان جاك السفاح يختار ضحاياه من بين النساء اللواتي كن يبعن اجسادهن في ذلك الحي الفقير في مجتمع كان يعاني من الفقر والجريمة والفوارق الطبقية الحادة. رغم اهتمام الصحف والناس بمتابعة تلك الجرائم الا ان السلطات البريطانية لم تعلن ابدا انها القت القبض على القاتل ولا تعرفت على هويته ليبقى لغزا كبيرا من الغاز التاريخ وشخصية اصبحت اسطورية تثير خيال الادباء والباحثين عن القصص المثيرة والغامضة في التاريخ.

تارة فارس قتلت في عملية اغتيال بالرصاص في وضح النهار في بغداد واثار مقتلها ويثير جدلا كبيرا حول قضايا متعددة. لقد كانت تارة فارس ذات الاثنين وعشرين ربيعا محط اهتمام كبير وكانت جريئة في سلوكها وعرفت بنشر صور مثيرة لها يتفاعل معها بشغف ملايين من المتابعين. وجاء مقتلها  في اعقاب اكثر من حالة قتل او موت مفاجئ تعرضت لها نساء عراقيات يتمتعن بحضور وشهرة ملحوظة. فقبل تارة بايام قتلت الناشطة المدنية سعاد العلي في وضح النهار ايضا في مدينة البصرة على يد قاتل صوب مسدسه نحو راسها وارداها على الفور قتيلة ثم لاذ بالفرار سريعا مثلما فعل قاتل تارة فارس. وقبل ذلك صدم الراي العام بموت مفاجئ لاثنين من صاحبات مراكز التجميل في بغداد وهما رفيف الياسري ورشا الحسن اللتان توفيتا بشكل مفاجئ وبفارق ايام قليلة عن بعضهما البعض. في كل الحالات قدمت السلطات العراقية روايات استبعدت الشبهة الجنائية وحتى في حالة مقتل سعاد العلي تم اتهام طليقها على الفور بانه كان قاتلها من اجل استبعاد الربط بين اغتيالها ومشاركتها في تظاهرات البصرة مؤخرا.

لم يكن في السلوك العلني للضحايا العراقيات اي افصاح عن التورط فيما هو غير شرعي من العلاقات, بل كن يتصرفن كسيدات مجتمع باحثات عن تقديم صورة جديدة معاصرة للجمال والتجميل تطمح للتاثير في المجتمع وتغييره نحو تبني مفاهيم تقر بحريات اكبر للمراة. حتى ان هناك من بينهن من كن منخرطات بنشاط في الحركات الاحتجاجية والتظاهرات المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد السياسي والحكومي. لكن ذلك لم يمنع اوساطا مختلفة من توجيه اتهامات لبعض الضحايا بالتورط بعلاقات مشبوهة مع شخصيات متنفذة. حتى ان تارة فارس واجهت في حياتها اسئلة واضحة عن اتهامات لها بممارسة الدعارة ردت عليها بالنفي التام. في المقابل كانت هناك عاصفة من ردود الفعل التي ادانت القتل وادانت الوصاية على النساء وخياراتهن واستباحة دمائهن تحت اي ذريعة.

كلما تعثرت السلطات العراقية في تقديم رواية واضحة لما يحصل كلما ازداد لجوء الجمهور للاقاويل والنظريات المختلفة عما جرى ويجري. ادى عدم الكشف عن اسرار جرائم وايتشابل في القرن التاسع عشر او عدم التوصل الى معرفة تلك الاسرار الى ازدهار الاساطير والنظريات عما جرى. اذ تم ربط شخصية جاك السفاح بالمؤسسة الحاكمة في بريطانيا بل وقيل وكتب انه احد افراد العائلة المالكة البريطانية من غير اي تأكيد طبعا حتى يومنا لهويته او ارتباطاته المزعومة.

ادى التطور الحضاري والسياسي والاعلامي في بريطانيا والغرب عموما الى سيادة مبادئ الشفافية واطلاع الراي العام وتهميش نظريات المؤامرة اصحابها. لم تعد حكايات  جاك السفاح واسطورته سوى جزء من الماضي وتحولت الى مصدر جذب سياحي لمنطقة وايتشابل اذ يقصدها من اثارت تلك الحكايات اهتمامهم لالقاء نظرة على مسرح احداثها. اما في العراق فان اجواء الصراعات المعلنة والمتسترة بين القوى السياسية والمجتمعية ما زالت غير واضحة الابعاد. فرغم كل ما في عصرنا من وسائل للتواصل الاجتماعي فان مساحة المجهول ما زالت كبيرة مما يجعل مساحة التاؤيلات والصراعات حول التاؤيلات اكبر. هاهو الاعرجي يؤكد لنا استمرار اسطورة الموت العراقي وهي اكبر من اسطورة جاك السفاح بكثير.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group