الشمول المالي والتنمية المستدامة

عبدالزهرة محمد الهنداوي

22/05/2019

قبل عام من الآن اطلق البنك المركزي العراقي استراتيجيته الوطنية للشمول المالي في العراق، لتشهد اروقةً أوساط المال والأعمال في حينها جدلا واسعا ،وتكهنات مختلفة، كان اغلبها يجدّف باتجاه عدم إمكانية تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية، لدرجة ان البعض عدها «احلام عصافير»، مستندا في ذلك الى معطيات الواقع العراقي الذي يشهد الكثير من المشكلات والتناقضات، وواحدة من ابرز تلك التحديات، هي غياب أو انعدام الثقة بين المواطن والمصرف، ما تسبب في وجود حالة عامة من الانحسار المالي، تمثلت بعزوف المواطنين عن التعامل مع المصارف، لدرجة ان ظاهرة «الاكتناز البيتي» أصبحت هي السائدة، الأمر الذي ادى الى إيقاف الدورة المالية والاقتصادية لكتلة نقدية هائلة، قدرت نسبتها بنحو ٧٧% من حجم العملة المتداولة، كانت خارج أسوار الجهاز المصرفي، مع حجم المخاطر التي تهدد ضياع هذه الأموال، وبالتالي تسبب خسائر جسيمة للاقتصاد والتنمية 
ومن الطبيعي ان مثل هذه المؤشرات من شأنها ان ترسم مشهدا متشائما للقطاع المالي في العراق، وبالتالي فأنها تمثل فرصة للمتشائمين في إطلاق تكهناتهم باستحالة أو في الأقل صعوبة المضي في تحقيق أهداف استراتيجية الشمول المالي، التي تهدف الى اتاحة الخدمات المصرفية والمالية لشرائح المجتمع المختلفة بكلف متهاودة، وصولا لتحقيق جانب من أهداف التنمية المستدامة، وفي المقابل كان المتفائلون يطلقون لأحلامهم العنان، مؤكدين ان المشهد سيتغير، وان الثقة ستعود، وسنتخلص من ظاهرة الاكتناز البيتي، وسنرى أكياس تلك الأموال محمولة على الاكتاف، وقد جاء بها أصحابها لإيداعها في المصارف، وبين فريقي التشاؤم والتفاؤل، مضى البنك المركزي في العمل على تطبيق تلك الاستراتيجية، بالتعاون مع المصارف الحكومية، ومصارف القطاع الخاص، وهذه الأخيرة، ربما تدخل لأول مرة في حلبة التنافس مع المصارف الحكومية، وكان من نتاج هذا التنافس، في إطار تطبيق استراتيجية الشمول المالي، مشروع توطين رواتب موظفي الدولة، وقد كان لمصارف القطاع الخاص مساحة جيدة في مشروع التوطين هذا، لدرجة ان بعضها تفوق في عدد المواطنين، على نظيرتها الحكومية، نتيجة الامتيازات وسهولة الإجراءات التي تقدمها لزبائنها، وواضح جدا، ان ثمة تغييرا إيجابيا قد حصل في المشهد المالي والنقدي العراقي، بعد إطلاق استراتيجية البنك المركزي، ومن مؤشرات هذا التغيير الإيجابي، هو ارتفاع نسبة المتعاملين مع القطاع المصرفي الى ٢٣% في نهاية عام٢٠١٨ بعد ان كانت النسبة ١١% عام ٢٠١٤ ، – كما أعلن ترابط المصارف العراقية الخاصة في تقرير لها صدر مؤخرا- 
وعندما نتحدث عن نسبة زيادة تصل الى اكثر من ٥٠% في عدد المتعاملين مع المصارف، فان هذا يعد مؤشرا مهما، يؤكد ان علامات التحسن مستمرة في الظهور، وان رقعة الشمول المالي في اتساع دائم، من دون ان نغفل القول، ان نسبة ال(٢٣%)، ليست كبيرة في وقت وصلت نسبة الذين يمتلكون حسابات مصرفية حول العالم الى اكثر من ٧٠% من السكان البالغين، ولكن، لا يمكن بأي حال من الأحوال ان نقارن حالنا، بحال دول اخرى سبقتنا في هذا المضمار، فيما واجه العراق ظروفا لم تكن سهلة تسببت بتراجع الكثير من القطاعات التنموية، ومنها قطاع المصارف.
خلاصة القول، ان ما نستطيع تشخيصه الان، ان ثمة تحسنا في نوع العلاقة بين المواطن والقطاع المصرفي، وهذا من شأنه ان يعزز سياسة الانفتاح التجاري، عبر استثمار الكتلة النقدية، التي كانت مغيبة نتيجة غياب الثقة، ولا شك ان عودة هذه الثقة ولو على خطوات قد تبدو بطيئة، ولكنها ستؤسس لفتح آفاق وجسور ومجسرات مهمة لاتساع رقعة الشمول المالي، واعتقد اننا قريبون من مشاهدة الصرّافات الآلية الصغيرة، وقد انتشرت في كل مكان، لدى بائع الخضرة ، وفي فرن الصمون وعند الحلاق ، وقطعا ان شيوع وانتشار هذا المشهد يحتاج الى جهود كبيرة من قبل المعنيين جميعا، وصولا لتحقيق الشمول المالي الشامل، في إطار سعينا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، اذ يُعد القطاع المصرفي احد اهم مساراتها.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group