توجد معادلات، أعرف أنّها صعبة وليس لي في سطور قليلة تحديدها، لابدّ أن تتوازن وتستقيم، لكي تتعافى الصحافة العربية. وهنا حديث في عوامل تخص صلب أمور فنيّة من دون مناقشة مسألة الحريات وهوامش التعبير .
ليست سطوة الالكترونيات، بما تشتغل عليه من وسائل التواصل الاجتماعي ، تقف وحدها وراء العزوف عن الصحافة الورقية على نحو خاص كما هو شائع . ثمّة اسباب عميقة في بينة المجتمع وتحولاته الجديدة .
هناك تراجع مريع في جودة التعليم مع تدني مستوى الهيئات التدريسية والتعليمية وانحسار مداركها بوريقات تدعى الملزمات يتم تحفيظها للطلبة من دون الالتفات الى جوهر التعليم الذي يعني توجيه الطلبة للبحث عن المعلومة، ومن ثمّ دراسة علاقتها بمنظومة المعلومات الاساسية التي يقود دفتها أستاذ المادة المعينة .هذا التدني يجعل أفق التلاميذ، جيل القراءة المفترض خارج دائرة البحث والتقصي والاطلاع .
انخفاض مستوى المعيشة وغلبة الفقر الخطوط المتعارف عليها، جعل اولويات لقمة العيش قبل القراءة . ارتباط اسم الصحافة بالسياسة وليس المعرفة والمعلومة والفكر والفن والادب والمتعة والتنوير ، جعل الصحافة موضع نفور مستمر الى حد انحسار قرّاء كلّ صحيفة واقتصارهم على انصار الحزب أو المذهب أو الدين أو الجماعة التي تقف وراءها .
تحوّل الصحف الى آليات ادارية من دون تميز، يجعلها تشبه عمل البلديات ومراكز الشرطة ودوام المستشفيات، واقتصار الصحف على السهل المتداول، واختفاء فنون التحقيقات والحوارات الصحفية إلاّ لأسباب موجهة سياسياً وآنياً ، وليس من سبب نابع من رؤية الصحيفة ومستشاريها من اختصاصات فاعلة في الحياة ،لتنوير زاوية مظلمة وتقديم شخصية ذات أثر، من دون أثر للسياسة والمحسوبيات في ذلك .
كم ورشة صحفية بخبرات دولية ومحلية انخرط فيها الصحفيون من دون استثناء ، ومن دون ادعاءات فارغة بالاستاذيات ، من أجل التفاعل لصنع صحافة لاتكرر قوالب السبعينات من القرن الماضي ونحن نقترب من العقد الثالث لهذا القرن العجائبي .
المجتمع الذي يتردّى وضع سوقه التجاري وحياته الصناعية والانتاجية ، لايمكن أن ينتج سوقاً اعلانية يمكن أن تغذي الصحافة وتسند استقلاليتها .
هناك منافس قوي هو الصحافة الالكترونية والرقمية ، وهذا ليس سبباً للاستسلام ، وانما للابتكار من أجل عدم الانسحاق بهذه السهولة التي توحي للوهلة الأولى ، أنّ هذه المهنة لم تصنع رجالا ونساءً يحسنون الدفاع عنها وصونها .
وكلّ عام وصحافتنا العراقية ، أبرز لبنات صحافة العرب بألف خير .