ماكان تعيين الوزراء الجدد في حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي سيتم لولا تهديد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي حدد مهلة محددة لتعيين وزراء في الاماكن الشاغرة. كانت هناك عوامل اخرى طبعا اهمها حاجة رئيس الوزراء نفسه والنظام السياسي العراقي ككل في التحرك مع تصاعد درجات الحرارة والنقمة الشعبية التي تتصاعد معها كل عام بسبب نقص الخدمات الحاد. لن يؤدي تعيين وزراء جدد للدفاع والداخلية والعدل الى تحسن في الخدمات طبعا ولكنها مبادرة تبرز في الاخبار لتظهر لمن يتابع ويريد ان يصدق ان الحكومة تتحرك و تكتمل وبأنها تعمل ما تستطيع في ظل الظروف المعروفة. كما انها تظهر ان القوى السياسية المتحكمة في العراق قد تواقفت الى حد ما من اجل تمرير مرشحين لشغل الوزارات الشاغرة وهي وزارات مهمة جدا بطبيعة الحال وان كانت الطريقة التي تجري بها الامور في العراق تقلل من اهمية دور من يشغلها. فوزراء الدفاع والداخلية يقودون قوات تخضغ فعليا لسلطة قيادة العمليات اي سلطة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء ولسنا هنا في مورد بحث كيفية ممارسة القائد العام لتلك السلطة او من يؤثر عليه من القوى الخارجية والداخلية في ذلك. اما وزير العدل فان منصبه اقل اهمية من منصبي رئيس السلطة القضائية و رئيس المحكمة الاتحادية. لكن مهلا فأن الاهم هو ان الوزراء هؤلاء يسيطرون على وزراء دسمة اي غنية من ناحية التخصيصات المالية. فوزيري الدفاع والداخلية سيكون لهم اطلاع دائم و رأي وتأثير في العقود التسليحية كما ان وزير العدل سيكون مسؤولا عن ملف السجون الملئ بالموارد والعقود هو الاخر.
اذا نظرنا بسرعة الى الشخصيات التي استوزرت فان رئيس الوزراء السابق اياد علاوي قد اوصل مرشحه الى وزارة الدفاع وهذا واحد من اهم المناصب التي يحصل عليها علاوي لاحد مرشحيه منذ مدة. لكن الوزير الجديد الجنرال نجاح الشمري تعرض لهجوم سريع من قبل الجيوش الالكترونية متهمة اياه بتهم مختلفة ابرزها تتعلق بقمع الانتفاضية الشيعية في جنوب العراق في مطلع تسعينيات القرن الماضي. لكن هذا لن يؤثر على الاغلب فالصفقة السياسية تمت ووافقت على تمرير المرشح وسيكون محصنا في الفترة الحالية من تلك الاتهامات حتى لو كانت صحيحة هي الاغلب خاطئة او مسيسة.
اما وزير الداخلية تحسين الياسري فعلى عكس الشمري حييته الاوساط الاعلامية مرحبة بتعيينه. جاء تعيين الياسري المقرب جدا من عبد المهدي ليحل عقدة اصرار تحالف الفتح على تعيين فالح الفياض للداخلية. لكن الفياض احتفظ بمنصب بل وبمناصب هي اهم فعليا من منصب وزير الداخلية. اضيف وزير اخر اذن الى قائمة الوزراء الذين عينهم عبد المهدي بنفسه لا من ترشيح مباشر من القوى السياسية المتنفذة. مبادرات الوزير الياسري الميدانية في ايامه الاولى حظيت بتفاعل ايجابي من وسائل الاعلام فالياسري معروف بعلاقات الودية مع الاعلاميين في منصبة السابق في ادارة الجنسية والجوازات. لكن الذاكرة العراقية لن تنسى انه في منصبه ذاك اصدر جواز السفر من نوع جي وتعهد بان عملية الاصدار ستكون شفافة و مهنية لكن ما حصل ان الجواز جي بيع بمئات الدولارات عن طريق قنوات الفساد المتعددة. سيكون على الوزير الياسري ان يحارب تلك القنوات ويثبت انه ليس جزءا منها ان اراد الاصلاح فعلا.
اما وزير العدل فاروق الشواني فقد عين عن طريق الحصة الكردية في نظام المحاصصة الطائفية العراقي فيأتي ليؤشر اتفاقا بين الحزبين الكرديين المسيطرين. لكن ضلع المحاصصة الثالث وهم العرب السنة ما زال مكسورا فقد استمر تخبط زعمائهم الجالسين على عرش خراب المدن ونزوح اهلها وخساراتهم. لم تحصل المرشحة المقدمة لمنصب وزير التربية عليه وباتت حقيبة التربية هي الحقيبة الوحيدة الشاغرة في حكومة عبد المهدي وقد كتبنا وكتب غيرنا بان ذلك اعطى للصحافة وللصحافة الساخرة تحديدا عنوانا لم يكن عبد المهدي يتمناه لحكومته في ان تكون حكومة بلا تربية.
اشر تعيين الوزراء الجدد استمرارا لنفس الصيغة التي قادت الى تشكيل الحكومة من الاساس العام الماضي فهي نتاج لتوافق باركته المرجعية الشيعية في النجف بين كتلة سائرون التابعة للصدر والفتح التي تضم الجماعات الشيعية المسلحة الاخرى. اما المسؤولية عن ادائها واداء رئيسها فتبقى ضائعة ومعتمدة على الميول والمصالح السياسية والظروف.