ذكرى قاسم والملكية

رافد جبوري

18/07/2019

مع شهر تموز يوليو ومنتصفه وتحديدا الرابع عشر منه يبلغ موسم الخلاف والصراع على التاريخ ذروته بين العراقيين. اهم المحاور الرئيسية المعتادة للخلاف هي النظام الملكي و الجنرال عبد الكريم قاسم. من الملفت للانتباه انه مع علو ضجة هذا الخلاف الموسمي وكثرة الحديث فيه عن النظام الملكي ومزاياه او مثالبه وعن الجنرال قاسم و عهده وخصومه واعداءه فان اي من الطرفين لا يمثل حاليا اي تيار سياسي اي انهما لم يتبلورا الى حركة سياسية لها علاقة بالحاضر.

بالنسبة للملكيين تبين ان الحركة الملكية الدستورية التي يتزعمها الشريف علي بن الحسين لم تكن سوى لاعب سياسي صغير لم يحظ بحصة ملحوظة في نظام ما بعد الفين وثلاثة رغم ان التوقعات كانت غير ذلك, فقد كانت الحركة واحدة من جماعات المعارضة الست التي اعترفت بها الولايات المتحدة نهاية التسعينيات بعد اصدر الكونغرس لما سمي بقانون تحرير العراق. ترتب على ذلك حصول الحركة على دعم مادي اميركي و اعتراف سياسي لم تحظ به جماعات سياسية اقدم منها. لكن مع اجتياح العراق لم يطرح موضوع عودة النظام الملكي ابدا ولم يكن له حضور جدي في النقاشات التي دارت حول طبيعة النظام الجديد وكتابة دستوره وقوانينه الاساسية كما ولم تحصل هي ورئيسها على شئ في مواسم الانتخابات المتتالية او توزيع الحصص والمغانم في مناصب الحكومة التي تقاسمها رفاق المعارضة. حاول الشريف علي ايضا ان يلعب وفق صيغ النظام الطائفي الذي ارساه الاميركيون و قادة المعارضة فتواصل مع المجتمع السني محاولا ابراز نفسه كزعيم سني فلم ينجح في ذلك ثم عاد ليتحالف مع الاحزاب الشيعية المسيطرة فلم يحقق نجاحات واضحة في ذلك ايضا لكنه بقي يعتمد على علاقاته السابقة من زمن المعارضة ليتم استقباله بين حين واخر من زملائة السابقين الذي باتوا قادة حاكمين. نشير هنا الى انه كانت هناك حركات ملكية اصغر لكنها بطبيعة الحال كانت اكثر فشلا من الملكية الدستورية وقد اضمحلت واختفت مثلها.

اما عبد الكريم قاسم الذي طالما ردد عبارة انه فوق الميول والاتجاهات وقد كان فعلا مستقلا غير منتم لاي حزب الا ان التاريخ المكتوب وصم عهده بالشيوعية. ومازال الشيوعيون في طليعة المحتفلين بعهد قاسم وتراثه و هم الاكثر حدة في الخصومات المتعلقة بتاريخ تلك الفترة التي كانت الحقبة الذهبية بالنسبة لهم والتي تعرضوا في نهايتها لضربة كبيرة قاسية. هيمن الشيوعيون فعلا على الفضاء العام في عهد قاسم وقد كانوا روادا للحداثة والتنمية الاجتماعية وكانوا داعمين استراتيجيين لتوجه قاسم المعادي للوحدة العربية التي كانت ستقضي على رغبته بالزعامة وتضعه في ظل جمال عبد الناصر. ونشطت في اول عهد قاسم ميليشيات الشيوعيين التي ساعدته في قمع اول تحد كبير واجه حكمه في ثورة الشواف في الموصل حيث ارتكبوا تجاوزات وانتهاكات معروفة هناك ثم اشتبك الشيوعيون الكرد مع خصومهم القوميون التركمان في كركوك بعد عام واحد من اسقاط النظام الملكي وارتكبوا مذابح معروفة اضطر قاسم لادانتها في خطاب شهير اختار ان يلقيه في افتتاح كنيسة مار يوسف في بغداد. في المقابل كان القوميون والبعثيون في طليعة خصوم قاسم وتوجهه المتهم بالانحراف عن هدف انقلاب - ثورة تموز في الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت قائمة انذاك بين مصر وسوريا بزعامة عبد الناصر. تمكنوا في النهاية من الاطاحة به بعد ان حكم اربع سنوات ونصف تقريبا وتم اعدامه بسرعة و تم التخلص من جثته فلم يعد له قبر.

لم يعد موضوع الملكية وعودتها مطروحا في عراق المحاصصة الطائفية لكن الاستقرار الذي كانت توفره فيما يخص هوية البلد والممارسة الديمقراطية على علاتها في ذلك العهد تبقى سمات يفتقدها كثيرون حين يشيرون الى ما يرونه رحلة ضياع بدأت مع الانقلاب العسكري والمجزرة التي ارتكبها العسكر بقتل الملك فيصل الثاني والعائلة المالكة صبيحة يوم الرابع عشر من تموز. كما ان عهد قاسم انتهى وليس له وريث سياسي باي معنى من المعاني لكن نزاهة قاسم الشخصية وتنفيذه لمشاريع تنموية ركزت على الطبقات الفقيرة بقيت سمات يؤشر عليها من يحتفي به وبعهده. هنا يجب الاشارة الى ان جهات عديدة خاصمت قاسم عادت الى تغيير مواقفها من عهده بعد ان صار جزءا من التاريخ. فقد راجع قادة كرد بارزين مواقفهم في اشعال التمرد ضده كما وكشف تسجيل صوتي لم يكن معلنا لاحد اجتماعات القيادة العراقية السابقة موقفا للرئيس العراقي السابق صدام حسين يتحدث فيه عن قاسم بانصاف ويقول بان البعثيين لم يعطوه الفرصة لان يعمل وينفذ رؤاه. كما صرح صدام حسين اثناء محاكمته بانه لا يكره قاسم رغم انه اطلق عليه الرصاص في عملية الاغتيال الفاشلة في شارع الرشيد.

ان النزاع والجدل الذي يدور في هذا الوقت من العام حول الملكية و قاسم ليس فقط حنينا للماضي يحرك فئات معينة من محبي الملكية و محبي قاسم لكنه ايضا صراع على هوية العراق والرؤى المختلفة التي تتنازع تلك الهوية. هو صراع مستمر متعدد الوجوه سيعود في كل موسم قادم.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group