من تونس!

عبدالزهرة محمد الهنداوي

18/09/2019

كانت الساعة تشير الى الثانية والنصف بعد منتصف الليل، عندما حلّقت بنا طائرة الخطوط التركية، فوق الأجواء العراقية، متجهة الى إسطنبول، ومنها نواصل الرحلة نحو تونس الخضراء، وعلى مدى ساعات الرحلة كانت التنبيهات والتوجيهات الموجهة من طاقم الطائرة تأتينا بثلاث لغات هي التركية والإنكليزية والعربية..

توقفنا (ترانزيت) في مطار إسطنبول الجديد، العملاق، وقلت في داخلي وانا اتمعن في هذه التحفة العمرانية "نحن قادرون على ان نبني ماهو اجمل، ولكن لم يحن الوقت بعد!!! بعد ثلاث ساعات، حلقت بنا الطائرة من جديد صوب العاصمة تونس، في رحلة اخرى تستغرق ثلاث ساعات أيضا، ولكن بسبب فارق التوقيت، تبدو وكأنها ساعة واحدة!، وخلال هذه الساعات الثلاث، غابت اللغة العربية تماما، لتحل محلها اللغة الفرنسية، حتى خُيل لي ان رحلتنا الى باريس، وليس الى تونس!!، فكل ما يأتينا من ارشادات وتنبيهات كان باللغة الفرنسية إضافة الى اللغتين التركية والانكليزية..!

نزلنا من الطائرة وتوجهنا صوب نافذة الجوازات التي بدت مزدحمة، فقد وصلت اكثر من رحلة في ان واحد الى المطار الذي كان عكس مطار اسطنبول تماما!!، علما، ان السياحة في تونس تمثل احد الرافعات المهمة للاقتصاد هناك، استغرق انتظارنا في الدور، اكثر من نصف ساعة، لنخرج بعدها من المطار، وعند الباب وجدنا مضيفينا بالانتظار، اذ رافقونا الى ساحة وقوف السيارات، وفيما بدت السماء ملبدة بالغيوم، وثمة اثار لمطر غزير هطل في الليلة الماضية، كانت الساحة هي الأخرى متواضعة وقد غطت مياه الأمطار بعض جوانبها، أقلتنا السيارة فرنسية الصنع، نحو الفندق الذي يقع عند أطراف العاصمة، وخلال الرحلة التي امتدت الى نحو ٤٠ دقيقة، كانت تطالعنا صور كبيرة وأخرى متوسطة وصغيرة انتصبت على جانبي الشارع لمرشحي الرئاسة التونسية، التي جرت منتصف أيلول، مضيّفنا الذي كان يقود السيارة بسرعة، بدأ يحدثنا عن أؤلئك المترشحين، فيقول هذا فلان الفلاني، «حرامي» من الدرجة الاولى!، وذاك استغل موارد الدولة لتمويل حملته الانتخابية، وثالث، هو الأصلح لحكم تونس، لانه يتحدث بشكل جميل!!، من دون ان ينسى توجيه سهام نقده الحادة الى بعض الأحزاب، وإشادته بأخرى، ولم يترك لنا مجالا، لنسأله عن قضايا اخرى، وهو يتحدث بلهجته التونسية السريعة المفرنسة!

وقطعا ان حال صاحبنا هذا، هو حال اغلب التونسيين في هذه الايام، فهم منشغلون كثيرا بحدث الانتخابات التي يعدونها فرصة للتغيير، وان كانوا لايثقون كثيرا بالخيارات المتاحة، فهم يتخوفون من احتمال عدم تمكن مَن يعولون عليهم، من تجاوز العتبات والعقبات الانتخابية، فالصراع بين المترشحين البالغ عددهم ٢٦ مترشحا قائم على اشده، والتلفزة التونسية مزدحمة بالمناظرات، وكل مترشح يقول انه هو من يأتي بالجنة الى تونس التي تواجه تراجعا في اقتصادها، وتعاني من عجز تجاري يصل الى نحو ١٣ مليار دينار تونسي.. وتخوف التونسيين من النتائج، متأتٍ من الآليات المعتمدة في تنظيم الانتخابات الرئاسية، اذ على المترشح ان يتجاوز الدورين الاول والثاني.

وبعد ان جرت الانتخابات، فان احدا من المترشحين لن يتمكن من تحقيق الأغلبية المطلوبة، الأمر الذي سيعقد المشهد كثيرا، ومثل هذا الاستنتاج يمكن التوصل اليه من خلال متابعة المناظرات التلفزيونية بين المترشحين، التي أظهرت ضعفا، وربما عجزا، في القدرة على تسيير دفة شؤون البلاد في ظل الكثير من المشاكل الحادة، سياسية واقتصادية وغيرها، ويحمّل التونسيون، هذا الضعف لدى الساسة الى حقبة زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد ٢٣ عاما، ولكن في نهاية المطاف لا حل أمام الشعب التونسي سوى الاقتناع بما ستفرزه الانتخابات الرئاسية، بصرف النظر عمّن سيصل الى كرسي الرئاسة، ومن ثم التأسيس لمرحلة جديدة تستند الى تمكين الكفاءات وتمتين الاقتصاد.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group