القمع المفرط الذي استخدمته حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ضد التظاهرات كان صادما وقبيحا ومعبرا عن الازمة التي وصل اليها النظام السياسي العراقي. فقد استخدمت قوات الامن العراقية في ساحة التحرير في يوم التظاهرات الاول رصاصا حيا بحسب التقارير الاولية وحديث المتظاهرين. وقد سقط عشرات الجرحى واكثر من ضحية نتيجة للقمع المفرط الذي استخدمته قوات الامن التي ذكرت التقارير الحكومية ان جرحى سقطوا بين صفوفها ايضا. هاهي حكومة عادل عبد المهدي التي اسميناها بحكومة الهدوء النسبي في مقال سابق تخرج من تلك المكانة وتترنح في اول اختبار لها مع التظاهرات الاحتجاجية وترتكب افعالا مدانة في قتل شعبها وايذاءه. وهاهي التظاهرات التي يجب ان نعترف باننا لم نتوقع ان تصمد بوجه القمع تستمر ليوم ثان حتى ساعة كتابة هذا المقال وهي تواجه جبالا من الفساد تتمثل في النظام السياسي الذي عجز عن اصلاح نفسه ويقف الان في موقف حرج.
لم تكن تظاهرات ساحة التحرير في الاول من اكتوبر تشرين الاول مفاجئة فقد تم الاعلان عنها قبل ايام وكانت هناك تحضيرات تجري علنا للقيام بها. ولم تكن التظاهرات التي شملت ايضا مدنا عراقية اخرى مثل الناصرية والديوانية والعمارة هي الاكبر فقد كانت تظاهرات العام الفين وخمسة عشر اكبر منها. لكنها مثل تظاهرات البصرة العام الماضي التي صدمت الجميع اذ انطلقت من غير الارتباط باي تيار او جهة سياسية او حزب. ارعبت تظاهرات البصرة كل القوى الحاكمة والمسيطرة بمهاجمتها للقنصلية الايرانية وللاحزاب الشيعية المسلحة وخصوصا تلك التي تنتمي للحشد الشعبي. وقد صدم رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي بحجم الغضب الذي واجهه عندما ذهب الى البصرة في محاولة فاشلة لتهدئة الاوضاع. في النهاية خلع العبادي قناع رئيس الوزراء اللين واللطيف و استخدم القمع فتم قتل وجرح العديد من المتظاهرين. نجح القمع لكن العبادي سقط وهاهو عادل عبد المهدي يواجه ازمة كبيرة قد تؤدي الى سقوطه.
تأتي تظاهرات هذا العام لتشكل نهجا جديدا وخطوة اخرى. رغم ان المطالبة بالخدمات تشكل عنصرا مهما من دوافع التظاهرات الا انها لم تكن مجرد غضبة من انقطاع التيار الكهربائي فقد جاءت بعد انحسار ذروة موسم الصيف ومع تحسن نسبي في تزويد التيار الكهربائي. لكن الدوافع هذه المرة اعمق. فليس للتظاهرات قيادة بعد ان خذل الشباب الذين يشاركون فيها من كل اطراف النظام السياسي وهاهم يبحثون عن المعنى ويواجهون قوة القمع التي تبدو اكبر منهم ولكنها لا ترهبهم. من الواقعي ايضا ان لا نقع في فخ الشعارات وننبه الى ان الامر لم يصل ومن الصعب ان يصل الى درجة اسقاط النظام السياسي فهو نظام مدعوم من قبل القيادات الدينية القوية واسقاطه ممنوع اميركيا وايرانيا. لكن هذا لايعني ان يركن النظام الى الراحة والاطمئنان فان في تحركات الشعوب والجماهير ما يغير من الموازين وفي التاريخ شواهد كثيرة.