حرب 12 يوماً بين إيران وإسرائيل: كيف قلبت المواجهة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟

قبل 7 أيام

مقدمة
شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل استمر لمدة اثني عشر يومًا، شكّل تحولًا خطيرًا في طبيعة الصراع الإقليمي وأثار قلقًا عالميًا واسعًا من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة. بدأت شرارة المواجهة بعد سلسلة من التوترات المتراكمة والعمليات الاستفزازية المتبادلة، لتتحول بسرعة إلى مواجهة مفتوحة شملت هجمات صاروخية، وضربات بطائرات مسيّرة، وعمليات استهداف متبادل لمنشآت عسكرية واقتصادية حساسة.
جاءت هذه المواجهة في لحظة حساسة سياسيًا وعسكريًا، حيث كانت المنطقة تشهد أصلًا احتقانًا واسعًا بسبب الملفات النووية، وتزايد نفوذ الحلفاء الإقليميين لكل من طهران وتل أبيب. وقد أثارت الحرب مخاوف حقيقية من تداعياتها على الأمن الإقليمي وسلامة الممرات البحرية وإمدادات الطاقة العالمية.
وفي الوقت الذي تدخلت فيه الولايات المتحدة دبلوماسيًا لإنهاء التصعيد، وأعلن الرئيس دونالد ترمب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تظل آثار هذه الحرب قصيرة المدى وطويلة الأمد بحاجة إلى تحليل دقيق، لفهم ما تحقق ميدانيًا، وما خُسر سياسيًا، وما ينتظر المنطقة في قادم الأيام.
مجريات الحرب
اندلعت المواجهات بين إيران وإسرائيل في الثاني عشر من حزيران/يونيو ٢٠٢٥، إثر استهدافٍ غير معلن نفّذته إسرائيل ضد منشأة عسكرية إيرانية، ما دفع طهران إلى الرد بإطلاق موجة من الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية تجاه أهداف إسرائيلية، أبرزها مدينة بئر السبع ومحيط تل أبيب، وأدى ذلك إلى سقوط قتلى وجرحى وتدمير منشآت مدنية.
وردّت إسرائيل بسلسلة ضربات جوية استهدفت قواعد الحرس الثوري الإيراني ومنشآت عسكرية في طهران وأصفهان والأهواز، إلى جانب مواقع في سوريا تُستخدم كقواعد خلفية.
وفي تطور لافت، نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية خاطفة استهدفت منشآت نووية إيرانية تحت الأرض في نطنز وأراك، بزعم منع طهران من استغلال التصعيد لتطوير برنامجها النووي. وقد أحدثت هذه الضربة تحولًا كبيرًا في مسار الحرب، وأثارت ردود فعل غاضبة من إيران، التي توعدت بالرد، معتبرة الضربة انتهاكًا صارخًا للسيادة.
في الوقت نفسه، تصاعدت الحرب السيبرانية بين الطرفين، مع تعرض شبكات الكهرباء والاتصالات في كل من طهران وتل أبيب لهجمات متبادلة. وشهد العراق وسوريا تداعيات مباشرة، منها استهداف قواعد عسكرية بطائرات مسيّرة، ما دفع بغداد إلى إغلاق أجوائها مؤقتا.
ودخلت بعض الجماعات الحليفة لطهران على خط التوتر، فيما عززت إسرائيل وجودها العسكري في الجولان وغزة. إلا أن كلا الطرفين تجنب الدخول في مواجهة إقليمية شاملة، ما فتح المجال للتدخلات الدبلوماسية.
وخلال اليومين الأخيرين، قادت واشنطن وساطة مكثفة عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء الإثنين ٢٣ حزيران عن التوصل إلى اتفاق كامل لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، على أن يدخل حيز التنفيذ خلال ٢٤ ساعة. وبالفعل، سُجل توقف العمليات صباح الثلاثاء ٢٤ حزيران، منهياً حربًا استمرت اثني عشر يومًا، وشكلت أخطر مواجهة مباشرة بين الطرفين في التاريخ الحديث.

الخسائر البشرية والمادية
رغم قِصر مدة الحرب نسبيًا، إلا أن المواجهة بين إيران وإسرائيل خلال 12 يومًا خلفت خسائر كبيرة على عدة مستويات، سواء في الأرواح أو في البنى التحتية المدنية والعسكرية، إلى جانب خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.

الخسائر في الجانب الإسرائيلي:
البشرية: قتل ما لا يقل عن مئة شخصا، بينهم مدنيون وجنود، نتيجة القصف الصاروخي الإيراني وهجمات الطائرات المسيّرة، خاصة في مدن بئر السبع وأسدود ومحيط تل أبيب. كما أُصيب العشرات بجروح متفاوتة.

المادية: تضررت عشرات المباني السكنية والتجارية، إلى جانب منشآت حيوية كقواعد عسكرية ومرافق كهرباء ومياه. تكبّدت إسرائيل خسائر مادية تُقدّر بأكثر من ملياري دولار نتيجة الدمار وتعطّل حركة الملاحة الجوية والأنشطة الاقتصادية.

العسكرية: استُهدفت بطاريات دفاعية ومنشآت تابعة لسلاح الجو، كما أصيبت منشآت تكنولوجية استخباراتية قرب الحدود اللبنانية.

الخسائر في الجانب الإيراني:
البشرية: قدرت المصادر الرسمية مقتل أكثر من خمسمئة  شخصا، بينهم جنود من الحرس الثوري وعاملون مدنيون في المواقع المستهدفة، إلى جانب مئات الجرحى.
المادية: كانت الضربة الأكبر في الهجوم الأميركي الذي استهدف منشآت نووية في نطنز وأراك، ما ألحق دمارًا جزئيًا بالبنية التحتية النووية، وتسبّب بخسائر ضخمة تجاوزت ٣ مليارات دولار وفق تقارير أولية. كما تعرضت قواعد عسكرية ومرافق نفطية لأضرار بالغة.
السيبرانية: تعرضت إيران لهجمات سيبرانية عطلت شبكات الكهرباء والاتصالات في عدة محافظات، إلى جانب توقف عدد من المؤسسات المالية بشكل مؤقت.

الخسائر غير المباشرة في دول الجوار:
في العراق، تضررت منظومات الرادار في معسكر التاجي وقاعدة الإمام علي إثر هجمات بطائرات مسيّرة، وسط حالة من القلق الشعبي والرسمية من التورط في الصراع.
في سوريا ولبنان، سُجلت غارات محدودة استهدفت مواقع مرتبطة بمحور إيران، ما أثار المخاوف من توسع المواجهة، رغم بقاء تلك العمليات محدودة النطاق.

الآثار الاقتصادية الإقليمية والدولية
لم تكن الحرب بين إيران وإسرائيل مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت أيضًا أزمة اقتصادية ذات تداعيات واسعة على الأسواق العالمية، وبالأخص أسواق الطاقة، نظرًا لدور إيران الحيوي في تصدير النفط، وموقع المنطقة كأحد أهم الممرات التجارية والنفطية في العالم.

تقلبات أسعار النفط:
مع بداية الحرب، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد، حيث لامس خام برنت حاجز ٧٤ دولارًا للبرميل، مدفوعًا بالمخاوف من تعطل الإمدادات، واحتمال إغلاق مضيق هرمز.

بعد الضربة الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية، تصاعدت المخاوف أكثر، مما دفع الأسعار إلى أعلى مستوياتها خلال خمسة أشهر.
لكن فور إعلان وقف إطلاق النار، هبطت الأسعار بشكل حاد، حيث انخفض خام برنت بـ ٢.٩٪؜ إلى ٦٩.٤٠ دولارًا، وخام غرب تكساس الأميركي إلى ٦٦.٤٨ دولارًا، ما يعكس هشاشة السوق أمام التوترات الجيوسياسية.

اضطراب الملاحة الجوية والبحرية:
أغلقت العراق والأردن ولبنان أجواءها مؤقتًا، ما أدى إلى إلغاء أو تحويل مسارات مئات الرحلات.
كما شهدت حركة الشحن البحري في الخليج العربي تباطؤًا ملحوظًا، خاصة في محيط مضيق هرمز، مما أثّر على سلاسل التوريد العالمية.
تأثيرات على أسواق المال:
تراجعت البورصات الخليجية والعالمية خلال فترة التصعيد، وسُجل نزيف في أسهم شركات الطيران والطاقة.
مع إعلان الهدنة، بدأت الأسواق في التعافي التدريجي، لكن الحذر لا يزال يسيطر على المستثمرين، خوفًا من عودة التوتر.
تأثر اقتصاد البلدين المتحاربين:
إيران: تعرضت لضربة اقتصادية مزدوجة نتيجة الدمار المباشر من الغارات وتعليق بعض الأنشطة التجارية والنفطية، مما يهدد بتفاقم أزمتها الداخلية.
إسرائيل: تكبدت قطاعات السياحة والنقل والخدمات خسائر مباشرة بسبب الهجمات الصاروخية، إلى جانب استنزاف اقتصادي بسبب الاستنفار الأمني والعسكري.
المواقف السياسية وردود الفعل الدولية
أثارت الحرب الإيرانية الإسرائيلية ردود فعل متباينة على المستويين الإقليمي والدولي، وسط مخاوف من توسّع رقعة الصراع إلى مواجهة إقليمية شاملة. وبينما نادت بعض الأطراف بالتهدئة، اتخذت دول أخرى مواقف أكثر انحيازًا، وفقًا لمصالحها وتحالفاتها.

الولايات المتحدة:
لعبت دورا مركزيا في الصراع، فبعد امتناعها في الأيام الأولى، تدخلت عسكريًا عبر ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، في خطوة قالت إنها دفاعية لمنع طهران من تطوير قدراتها النووية في ظل الفوضى.
لاحقا، قاد الرئيس دونالد ترمب جهود الوساطة الدبلوماسية، وأعلن بنفسه اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدًا أنه تم بتنسيق مباشر مع إسرائيل وقنوات خلفية مع إيران.
رأت الإدارة الأميركية في هذا التحرك تعزيزًا لمكانتها الدولية واستعراضًا لقوتها وتأثيرها في الشرق الأوسط.
الأمم المتحدة:
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ اليوم الثالث للحرب إلى "وقف فوري لإطلاق النار"، محذرًا من "كارثة إقليمية".

كما عقدت جلسة طارئة لمجلس الأمن، لكن الانقسام بين الأعضاء الدائمين حال دون إصدار موقف موحد حاسم.
الاتحاد الأوروبي:
أعرب عن "قلقه العميق"، ودعا إلى ضبط النفس، مشددًا على أن الحرب تُهدد بإشعال أزمة إنسانية وأمنية واسعة.
فرنسا وألمانيا طالبتا واشنطن ولندن بالضغط على الجانبين للتهدئة، بينما اتهمت طهران الأوروبيين بـ"الازدواجية" بسبب صمتهم عن الضربة الأميركية.
دول الجوار العربي:
العراق: أدان استهداف قواعده العسكرية، وطالب بعدم الزج بأراضيه في الصراع، فيما شكّل السوداني لجنة تحقيق في الهجمات بطائرات مسيّرة.
لبنان وسوريا: التزمتا الصمت الرسمي، لكن تحركات حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران أوحت باستعداد جزئي للانخراط في المواجهة، ما استدعى تحركات استباقية إسرائيلية.
دول الخليج: أبدت قلقها من تصاعد التوتر، ودعت إلى ضبط النفس، في حين رفعت بعضها حالة التأهب الأمني تحسبًا لأي تطور مفاجئ.
روسيا والصين:
دعتا إلى التهدئة وضبط النفس، ورفضتا التدخلات الخارجية، خصوصًا الضربة الأميركية على إيران، معتبرتين أنها تجاوزت حدود الردع المشروع.

التوقعات المستقبلية
رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ بين إيران وإسرائيل، إلا أن التوقعات بشأن استقرار طويل الأمد لا تزال غامضة ومحفوفة بالمخاطر، وسط شكوك حول التزام الطرفين بالهدنة، وقلق من احتمال تجدد المواجهة في أي لحظة.
هل انتهت الحرب فعلًا؟
يرى مراقبون أن الحرب الحالية لم تحلّ جذور الصراع، بل أجّلت المواجهة المقبلة، خاصة في ظل استمرار التهديدات المتبادلة، واحتفاظ كل طرف بخيارات الردع الاستراتيجية.
إيران تعتبر الضربة الأميركية للمفاعلات النووية "عدوانًا مفتوحًا"، وقد تسعى إلى رد مؤجل وغير مباشر عبر وكلائها في المنطقة.
إسرائيل من جهتها تعلن أنها "حققت أهدافها"، لكنها تبقي قواتها في حالة تأهب تحسّبًا لأي خرق.
احتمال عودة التصعيد
أي خطأ في الحسابات، أو عملية اغتيال أو تفجير نوعي قد يعيد الطرفين إلى نقطة الصفر.
استمرار الضربات السيبرانية أو الهجمات على خطوط الإمداد قد يؤدي إلى مواجهات موضعية قد تتوسع.

هناك مخاوف من تفعيل جبهات أخرى مثل الجنوب اللبناني أو الجولان، خاصة إذا قررت إيران الرد عبر وكلائها بدل المواجهة المباشرة.
تداعيات داخلية في إيران وإسرائيل
في إيران: قد يستغل النظام هذه الحرب لتعزيز التعبئة الشعبية وشيطنة الغرب، لكن الخسائر الاقتصادية قد تضع النظام تحت ضغط داخلي أكبر.
في إسرائيل: قد توظف الحكومة الحرب سياسيًا في الداخل، لتعزيز دعم نتنياهو، لكنها تواجه تحديات أمنية واقتصادية متزايدة.
التأثير على الملف النووي الإيراني
من المرجح أن تؤدي الضربة الأميركية إلى تباطؤ البرنامج النووي الإيراني مؤقتًا، لكنها قد تدفع طهران للتفكير بتسريع التخصيب سرًا، أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية نهائيًا.
مستقبل المفاوضات النووية بات أكثر تعقيدًا، وقد تتطلب وساطات جديدة من أطراف محايدة.
مستقبل التحالفات الإقليمية
ستتأثر علاقات إيران مع حلفائها العرب وغير العرب، وسط تساؤلات عن حدود دعمهم لها في حال تكرار المواجهة.
أما إسرائيل، فقد تسعى لتعزيز التحالفات مع دول عربية، تحت ذريعة "التهديد الإيراني"، ما قد يؤثر على معادلات التطبيع.

خلاصة واستنتاجات
شكلت الحرب التي دامت 12 يومًا بين إيران وإسرائيل واحدة من أخطر المواجهات في تاريخ الصراع بين الطرفين، حيث تجاوزت الأبعاد العسكرية لتشمل تداعيات سياسية، اقتصادية، وإنسانية واسعة النطاق. تمكنت إسرائيل من تحقيق ضربات موجعة على البنية التحتية الإيرانية، لا سيما عبر الضربة الأميركية الحاسمة على المنشآت النووية، في حين أثبتت إيران قدرتها على الرد والتأثير عبر هجماتها الصاروخية والطائرات المسيّرة.
مع ذلك، لم تُنه هذه الحرب الصراع العميق والمستمر بين الطرفين، بل كشفت عن هشاشة التوازن الأمني الإقليمي والاعتماد الكبير على القوة العسكرية كوسيلة لحسم الصراعات. يبقى وقف إطلاق النار الحالي هشًا، وتعتمد استقراره على عوامل كثيرة منها التزام الدول الكبرى، وحسابات المصالح الإقليمية، والضغوط الداخلية التي تواجه كل من طهران وتل أبيب.
كما برزت أهمية الدور الأميركي في ضبط إيقاع الحرب، سواء عبر العمليات العسكرية المباشرة أو الوساطة الدبلوماسية، ما يعكس استمرار تأثير واشنطن القوي في الشرق الأوسط. وعلى الصعيد الاقتصادي، أثرت الحرب بشكل ملموس على أسواق الطاقة والأسواق المالية، مما يؤكد الترابط العميق بين السياسة والأمن والاقتصاد في المنطقة.
في ضوء ما سبق، تظل المنطقة أمام تحديات جسيمة في سبيل تحقيق سلام مستدام، يتطلب حوارًا إقليمياً شاملاً، وإعادة تقييم للسياسات الأمنية، وتخفيف من حدة الصراعات بالاعتماد على الحلول السياسية بدلاً من التصعيد العسكري.

اعداد /اواز سليم عبدالله -راديو نوا

ترددات نوا

  • الأكثر قراءة
  • احدث الاخبار
Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group