ثورة العشرين.. (والما بعد)

هيام علي

05/07/2020

يذكر السياسي مزاحم الباجه جي في مذكراته التي جمعها واعدها ولده الدكتور عدنان الباجه جي أن ثورة العشرين بدأت وطنية الأهداف إلا انها وقعت فيما بعد تحت النفوذ الايراني بتأثير بعض علماء النجف وكربلاء الذين كانوا من أصل فارسي مما اعطاها طابعاً طائفياً شعبوياً، وأن الغايات التي كانوا يتوخون الوصول اليها لم تكن لخدمة الاماني والمصالح العربية بقدر ما كانت لتوطيد النفوذ الفارسي في البلاد.

هذا النوع من الخطاب في وقته كان واضحاً وخصوصاً أنه يصدر من شخصية قومية منفعلة مثل الباجه جي الذي أصبح فيما بعد أحد رجالات الحكومة التي أنتجتها ثورة العشرين، ومساهماً في تنفيذ سياستها على الرغم من محاولاته لإظهار نفسه مظهر المعارض!

اشارتي الى رأي مزاحم الباجه جي محاولة للتوضيح أن الاحداث الشعبية مهما تكن خالصة لا تفتأ أن تجد من يعارضها و يتهمها، وهذا ما شهدناه ازاء حركة تشرين العراقية وإن اختلفت ظروف وقوة العدائية الخطابية تجاه كلا الحدثين.

ثورة العشرين نقطة فارقة في تاريخ العراق فهي ثورة عراقية خالصة استطاعت الضغط باتجاه تشكيل حكومة عربية ومن ثم تحقيق الاستقلال. هل كانت ثورة العشرين تخلو من العيوب؟

بالطبع لا وهذا هو الطبيعي فكيف نتخيل ثورة جماهيرية في مجتمع كان تحت راية الدولة العثمانية عانى من شتى انواع الجوع والجهل والتهميش أن يكون منزهاً من الاخطاء؟ لذلك دعوة علي الوردي في تسليط الضوء على مساوئ وعيوب ثورة العشرين لا أجد لها مبرراً.

وانا أؤمن بمقولة أن التاريخ يكتبه المنتصر.. وثورة العشرين انتصرت وحققت أهدافها في ايجاد حكم  ملكي وطني لو استمر بتطوره التدريجي لكان حالنا غير هذا الحال. ولكن هل كان هذا الحكم مثالياً أو متماسكاً؟ بالتأكيد كلا لم يكن كذلك، وخصوصاً اذا استحضرنا نماذج الحكومات العديدة التي تشكلت وتفككت سريعاً فبعضها لم يتجاوز الشهر واخرى اسبوعاً واحداً. كذلك احتكار السلطة من قبل نفس الوجوه التي تنتقل تارة من وزارة الصناعة الى وزارة الدفاع ومن وزارة الخارجية الى رئاسة الوزراء وهكذا.. لكن ما يميز هذا النظام انه كان نظاماً يحمل مشروعا لبناء الدولة، أخذت ملامحه بالوضوح شيئا فشيئاً وعلى الرغم من تكرار الوجوه في العملية السياسية، إلا أنها كانت وجوها وطنية بيضاء الجبهة، مهنية في العمل، كان يمكن لها لو استمرت أن تحقق  إنجازات كبيرة للدولة العراقية، والدليل أن كل الملكيات التي كانت بدائية قياساً بالعراق كنفوذ وأهمية دولية وإقليمية وتطور اقتصادي واجتماعي أصبحت اليوم من الدول المزدهرة مقارنةً بما آل اليه العراق بعد الملكية.

للاسف كان للسلاح صوته العالي وللدم لونه الطاغي لينتهي معها حكم الملكية العراقية وتبدأ سلسلة الانقلابات والتخريب الى يومنا هذا.

عندما وصل الخراب الى مستوى لا يمكن السكوت عنه والتدخلات الخارجية وتأثيرها في السياسة العراقية الى الحد الذي لا يطاق خرج شباب العراق في تشرين الماضي رافعين شعار الوطن كما فعل رجال ثورة العشرين ومنادين بحكم وطني بعيداً عن التبعية والعمالة: "ذيل، لوگي (متملق)، ألعن ابو ايران لابو امريكا"، ربما كنا لنشهد ثورة عشرين جديدة بسواعد وطنية تحمل الروح الوطنية لولا مسلسل القتل والترهيب الجماعي الذي اخرجته احزاب السلطة.

وكذلك الحال ظهرت خطابات من رجالات السلطة والتابعيين لهم والمستفيدين منهم و المخدوعين بهم تندد وتطعن بحركة تشرين حتى أخمدوا فاعليتها وساعدت ظروف انتشار وباء كورونا على ذلك ايضاً لكنها لم تفشل فهي أيضاً نقطة فارقة في تاريخ العراق أعادت للوطن هيبته و للحرية صوتها العالي وللديمقراطية مكانتها. كما قلت في بداية المقال ان التاريخ يكتبه المنتصر وسنرى من سيكتب التاريخ أخيراً.

ترددات نوا

Copyright © 2017 - Radio Nawa. Designed and Developed by Avesta Group