موروث
الفساد في التاريخ العراقي
يصنف العراق بين البلدان الاكثر
فساداً محتلاً المرتبة 157 من أصل 180 بلداً، بحسب منظمة الشفافية العالمية في تقريرها الاخير.
لكن الفساد في العراق ليس كما يشاع
ويروج له على انه وليد السنوات الاخيرة فقط، بل انه موروث يرجع بأصوله الى عمق
التاريخ العراقي القديم، حيث تجلت ظواهر الفساد بانواعه السياسي والاداري
والاقتصادي بالاخص في فترات الاحتلال التي تعرض لها البلد على مدى حُقبٍ تاريخية مختلفة، وكان من ابرز اسباب
تجلي الفساد هو ماحمله المحتل من طبائع وسلوكيات مختلفة بات يطبقها على انظمة
البلد وشعبه، غير مكترث لعدم شرعيتها او سوء اخلاقها، يكفي انها كانت تضمن له السيطرة
والنفوذ من خلال منح الاموال والعطايا بغرض شراء المواقف المؤيدة له، والتي تضمن
استمرار تواجده.
هذه التركة الثقيلة التي خلفتها
الاحتلالات المتتالية، جعلت من الفساد عنصرا متأصلا في بنية المجتمع العراقي
والدولة العراقية منذ تأسيسها، بالاضافة الى ان هذه السياسات خلفت ارضية خصبة للفساد
الاداري والمالي والاقتصادي، الذي انتشر بشكل مخيف متمثلا في النهب والسرقة
والرشاوى والتلاعب بأموال العراق داخليا وخارجيا، واستنزاف موارد البلد بالاخص الطبيعية
منها.
ديمومة
الفساد في العراق
واليوم بات من الصعب جدا إيقاف مد
الفساد وتناميه على مختلف الأصعدة، اذ يتوارث الفساد في العراق بتعاقب حكوماته
المختلفة، وكانت كل حكومة تأتي تدَعي محاربتها ومكافحتها للفساد، لكن الحقيقة
الوحيدة التي تلمسها الفرد العراقي هي اتساع رقعة الفساد وتعدد انواعه سنة بعد
اخرى.
لكن، ماشهده البلد بعد عام 2003 كانت
من (اشرس الحقب فسادا) بحسب مراقبين للشأن العراقي، حيث وصل الفساد الاداري الى
مديات خطيرة تهدد الدولة ومقدراتها على الرغم من وجود مؤسسات رقابية وتشريعية
وقانونية اُسست وفقا لمبادئ الدستور العراقي، بغية ارساء دعائم دولة مدنية دستورية
تعزز مقومات النهوض الاقتصادي والتنموي وتحافظ على الموارد والبيئة بالاضافة للتقدم
الحضاري للبلد هذا ما اكده المحلل السياسي باسم الخزرجي.
الفساد
ينهش الثروات الطبيعية للعراق
الفساد بانواعه وعلى رأسه الفساد
السياسي ظل ينهش بمقدرات العراق واقتصاده ويهدر الموارد الحيوية للبلد، وكان بمثابة
الحاضنة الام للفساد الاداري والاقتصادي والظهير الحامي الذي يتكأ عليه هذا الفساد،
فالطبقة السياسية الحاكمة في العراق تمارس اليوم افدح انواع الفساد، فبيدها كل
مقدرات البلد وثرواته الطبيعية.
ويمتلك العراق ثروات طبيعية أخرى
بخلاف النفط، وكشفت دراسة أعدها المعهد الأمريكي للطاقة عن الثروات الطبيعية في
العالم، ان العراق يعد واحد من أغنى الدول من حيث الثروات الطبيعية، اذ جاء في المركز
التاسع من اصل 193 دولة بالدراسة، في ظل امتلاك احتياطات من النفط والفوسفات
والغاز والكبريت.
وبموجب
التقرير، يحوي العراق ايضا على 11% من الاحتياطي العالمي للنفط و 9% من الفوسفات،
وتعد منطقة المشراق في جنوب الموصل مركزا لتواجد الكبريت المنجمي، حيث يبلغ
احتياطي الكبريت في تلك المنطقة 600 مليون طن، كلها ثروات باتت مهددة بالاستنزاف بسبب
(وحش الفساد).
واليوم ينهش الفساد اقتصاد العراق
وثرواته منذ عام 2003، وعلى الرغم من تصريح وزير المالية العراقي علي علاوي وتوقعه ارتفاع الاحتياطيات النقدية
في البلاد إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022، لكن العراق مازال يعاني
من فقدانه لبيئة صحية سليمة توازي هذه الايرادات المالية المتحققة، بل وعلى النقيض
فالعراق يخسر اكثر من تريليون دولار في 18 عاما بالاضافة الى 150 مليار دولار
أموال مهربة إلى الخارج تعادل ميزانية دول بحسب ما اوضحه الخبير الاقتصادي ضرغام
محمد، والذي يؤكد على انه في ذات الوقت يعاني البلد من ديون تثقل كاهله، واقتصاد
تخنقه نسب البطالة المرتفعة وألاوضاع المعيشية
المتردية.
الفساد
يدمر البيئة في العراق
صحيح ان البيئة في العراق تأثرت بشكل
مباشر بعدة عوامل، يعود بعضها للأوضاع الناجمة عن العوامل الطبيعية والمناخية،
والبعض الاخر يُعزى الى العامل البشري، ولكن قسما كبيرا من تدهور البيئة في العراق
يعود للسياسات الاقتصادية المتبعة، هذا ما اوضحه المحلل السياسي علي البيدر، اذ
يشير قائلا، انه بالاضافة الى تأثير العامل
المناخي على البيئة، فاننا نشهد تناقص مصادر المياه المتجددة، وشح المياه وتدهور
نوعية مياه الشرب، والاستنزاف السريع والمفرط للموارد وتفاقم مشكلة التخلص من مياه
الصرف الصحي و الصناعي الملوث في الانهار الطبيعية، و تدني كفاءة استخدام المياه
في الزراعة ، واتساع رقعة المناطق الصحراوية ، وتزايد نسب التصحر، بالاضافة الى
النمو السكاني، و انتشار الوحدات السكانية العشوائية وبجانب ذلك فقد ارتفعت معدلات
تلوث الهواء بسبب انتشار مصادر حرق الوقود وعوادم السيارات ومولدات الطاقة
الكهربائية وغيرها من الأنشطة الصناعية الأخرى، كلها عوامل أسهمت في تدهور البيئة
في العراق وذلك بسبب السياسات الخاطئة نتيجة تفشي الفساد، بالإضافة إلى ذلك فان
النزاعات مع الدول المجاورة حول التقاسم المشترك لمياه الأنهار، ومخلفات الحروب
التي عانى منها العراق منذ الثمانينات من القرن العشرين أدت إلى تدهور الأوضاع
البيئية في العراق و سرعة استنزاف الموارد و عدم فاعلية برامج مكافحة التلوث.
مازال
هناك امل
أغلب المدن العراقية باتت تعاني اليوم
من مشكلات التغير البيئي الناتجة عن الإهمال الكبير لواقع البيئة في البلاد، والحل
يتمثل بوجود ارادة سياسية حقيقة تأخذ تلك القضايا المذكورة اعلاه بنظر الاعتبار، وتستعين
بالخبرات الاستشارية، فالعراق لديه من الخبرات الجبارة في كافة المجالات الزراعية
والصناعية والبيئية والجيلوجية وغيرها، بالاضافة الى امتلاكه للموارد المالية والبشرية
والقدرة اللازمة للسيطرة على الموقف وانقاذ البيئة والحفاظ على ديمومة مواردها
بالاخص الطبيعية منها.
التقرير بدعم من صندوق الامم المتحدة
للديمقراطية UNDEF ومؤسسة صحفيون من اجل حقوق الانسان JHR