قبل ايام من تكليف رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد توفيق علاوي بالمنصب تساءلت على مواقع التواصل الاجتماعي عن كونه جدليا ام لا. اشارتي طبعا كانت عن الشرط الذي وضعته المرجعية الشيعية العليا في العراق حول مواصفات رئيس الوزراء الجديد وقد وضع احد المتحدثين باسمها هذا التعبير كناية عن ان المرشح للمنصب يجب ان لايكون من المنتمين لمنظومة القوى المسيطرة على العراق وان لا يكون مرفوضا من قبل المتظاهرين. تساءلت ايضا في محاولة للدعابة عما كان الفيلسوف الالماني هيغل سيقول لنا عن جدلية علاوي من عدمها. كنت اشير الى فكرة الديالكتيك التي نظر لها هيغل وترجمت للعربية بمفردة الجدل. بشئ من التبسيط, الذي امل ان لايكون مخلا, اقول بأن فكرة الجدل كانت الفكرة المركزية في شرح هيغل للتطور عبر التاريخ والذي يراه ناتجا دوما عن صراع بين ضدين ينتهي بتسوية تمثل وضعا جديدا.
جدل محمد توفيق علاوي وغيره من المرشحين يختلف طبعا عن جدل هيغل. ربما يبدو ان المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء في العراق بعد عام الفين وثلاثة هم مرشحو تسوية يأتون كحل لصراع بين الاطراف المتناقضة لكن الحقيقة هي غير ذلك. من المهم هنا ان نفهم بصورة دقيقة دروس التاريخ الصحيحة كما حاول هيغل الذي تمحور جل عمله على دراسة التاريخ والحث على التعلم منه. رؤوساء الوزراء السابقون كانوا يأتون كمفاجأة سياسية تقدمها القوى الحاكمة في العراق بعد ازمات سياسية طويلة ليتم تقديمهم للجمهور كخلاص وامل وهم في الحقيقة كانوا كل مرة خلاصا واملا للنظام السياسي لا غير. لم يأتوا نتيجة لبرنامج سياسي واضح يتم التعهد به ووضع طرق تنفيذه واجراء حملة انتخابية على اساسه. وقد كانوا طبعا, وتلك هي المشكلة الكبرى جزءا من نظام المحاصصة الطائفية الذي وصل مع الانتفاضة الشعبية الحالية الى ازمته الكبرى.
يأتي محمد توفيق علاوي بنفس الطريقة تقريبا. كثيرون شبهوا طريقة تكليفه بطريقة تكليف سلفه عادل عبد المهدي في اتفاق مبارك ايرانيا بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تحالف الفتح هادي العامري. لكن تكليف علاوي يأتي في ظروف اكثر تعقيدا وعنفا بكثير من الظروف التي عين فيها عبد المهدي. هذه المرة يأتي التعيين بعد سقوط مئات الضحايا والاف الجرحى في انتفاضة شعبية مستمرة. وبعد ان اتهمت مجموعات في تحالف الفتح بالقيام بجزء واسع من اعمال القمع والقتل ضد المتظاهرين وبعد ان كان تيار الصدر مسالما مع التظاهرات ثم مشاركا فيها ومدعيا الحماية لها انسحب منها بعد خلاف ليعود اليها في محاولة للسيطرة التامة على خياراتها كجزء من عملية تكليف علاوي برئاسة الوزراء.
لا يبدو محمد علاوي مرشح تسوية ونتاج لجدل هيغلي ابدا. انه مرشح جدلي بالمعايير العراقية المعاصرة وقد انطلقت التظاهرات بسرعة رافضة. في الحقيقة هو يمثل جدلا مركبا بين المتظاهرين ومطالبهم بان يكون رئيس الوزراء غير خاضع للطبقة السياسية وبين القوى المتمسكة بالحكم والسيطرة عليه. كما انه يمثل جدلا اخر بين المتظاهرين غير المنتمين للاحزاب و التيار الصدري. تقوم حجة التيار الصدري وغيره من مؤيدي ترشيح علاوي على ان اسمه قد طرحه المتظاهرون سابقا. يتحدث المؤيدون عن ضرورة تحقيق تقدم في الازمة السياسية وانهاء الاضطرابات الشعبية التي يرون انها تشل الحياة العامة. يرفض المتظاهرون ذلك طبعا. يرفضونه بطريقة قاطعة ويستمرون بدفع ثمن مطالبهم بدمائهم, ويستمر الجدل.